ثمة من يقولون بـ (نرجسية صحيّة) أو (إيجابية).. هؤلاء يحيلون الذاكرة إلى ما ذكرته ونادت به الكاتبة الأمريكية من أصل روسي «آين راند» في فضيلة الأنانية، واضعةً كتاباً تحت هذا العنوان.
هناك فرق بين الأنانية والنرجسية، مع لحظ درجات متفاوتة بين هذه وتلك.. وفيما حاولت «راند» وفق مذهبها الذي أطلقت عليه (الموضوعانية)، إيجاد تعليل موضوعي ومنطقي لإيجابيات كون المرء أنانياً.. كيف يفسر أصحاب مقولة «النرجسية الإيجابية» ما يذهبون إليه من إمكانية أن تكون النرجسية «منقذة» لهم/لنا.. وفق إحدى الطروحات التي تدعي نفعيتها وفائدتها.. ؟!
هل يملؤك إحساسٌ بأنك ضروري للكون..؟
من إيجابيات ما يدعون ذكرهم لمنطق وقناعة مارسها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر الذي عُرف بمدى قبح وجهه.. ذاكراً حادثة تعرض لها وهو لم يزل طفلاً، في أحد كتبه، قائلاً: «قصصت شعري فصرت بشعاً كضفدع. وهكذا لم يعد أحد يرغب في التقاط صورة لي».. وليحارب دمامة الشكل وطّد سارتر احتراماًّ ذاتياً لنفسه ويبدو أنه كبّره وضخمه وجبله بكل ثقة ليصل إلى الإحساس بأنه «ضروريٌ للكون».
وبعيداً عن أي ملمحٍ لأنانية أو تضخيماتٍ لنرجسية، يبدو أن وصفة إحساس المرء بأنه «ضروريٌ للكون» لازمة ونافعة بحد ذاتها للاستمرار والمضي إلى الأمام من دون أدنى مشاعر يأسٍ أو ملل..
ومع ذلك.. هل يمكن لها أن تكون بمتناول الجميع أو الغالبية..؟
كيف يمكن ضبط كل هواجسنا ومشاعرنا وكل ما يخطر لنا من وساوس وأفكار وفق قناعة أن وجودنا ضروريٌ للكون..؟
لعل الغالبية تقنع بكونها كذلك بالنسبة لحفنة من البشر ولا يهم حينها الكون بحاله.. لكن يبقى أن ثمة من يعتقد فعلياً أنه مهم ومفيد بل وضروري ضرورة قصوى للكون بأسره.. وهذا الفريق يشتمل على كل مَن يعتبره المجتمع ضمن فئة المشاهير والأدباء على مختلف أنواعهم، وكذلك القادة دون نسيان المثقفين المؤثرين فعلياً.
تحديداً، هذه الفئة من البشر يمكن توصيفهم بـ(النرجسيين) الذين لا تتزعزع قناعتهم بقدرتهم على التأثير بالعالم وبتغييره.
وعلى الرغم من كل سلبية تلحق بوصفهم «نرجسيين» تبقى هناك حقيقة أنهم منتجون.. وبسبب نتاجهم المؤثر على مختلف الصعد: الأدب، السياسة، العلم.. يمكن لهم الوصول لميزة القدرة على التغيير.
هل بهذا المعنى تكون «النرجسية» منقذةً لهم وبالتالي لنا.. حين نتأثر بإيجابية رؤاهم ومسعاهم.. ورغبتهم بخرق الأطر نحو إشراقات تغييرٍ للأفضل..؟
هل يبرر ذلك كونهم أصحاب «أنوات» متضخمة..؟
لا يقدرون على رؤية الكون ومختلف أنواع البشر الذين يعاشرونهم سوى على أنهم مجرد انعكاسٍ لصورتهم وتردداتٍ لأمواج أصواتهم وفقط..!
في معنى الأنانية يُقال إنها اهتمام الشخص بمصالحه الذاتية، رعايتها، والقدرة على الحفاظ عليها.. دون أي رغبة بلحظ مصالح الآخرين.. بينما تتطوّر الحالة في النرجسية حتى تصبح عدم رغبة بلحظ الآخرين أنفسهم وليس مجرد مصالحهم.
ومهما كانت إيجابية «النرجسية» ذات توهجات تقود صاحبها لولوج طريق يصل به لإنقاذ نفسه دائماً.. يبقى طريقاً لفناءٍ خلفي غير ملحوظ.. وربما كان طريقاً لأقبية ودهاليز نفسية غير مرئية بالنسبة لصاحب انتصارات توسم بالمرتبة الأولى بـ(نرجسية) غارقة بطمي تصاديات «الأنا».
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الجمعة 21-6-2019
رقم العدد : 17006