يعد الاستيلاء على ناقلة نفط إيرانية قبالة سواحل جبل طارق متجهة إلى سورية حسب زعم القوات الملكية البريطانية البحرية هي آخر حلقة في تاريخ العقوبات الاقتصادية الطويل والكارثي في الشرق الأوسط، تدعي المملكة المتحدة أنها تنفذ عقوبات الاتحاد الأوروبي على سورية، لكن هذا التصرف سيعتبر بنظر طهران – ومعظم الدول الأخرى – على أن البريطانيين يفرضون عقوبات أميركية على إيران قال الاتحاد الأوروبي إنه يعارضها. في حين قال مسؤول إيراني إنه ينبغي الاستيلاء على الناقلة البريطانية انتقاماً.
جيريمي هانت، وزير الخارجية ورئيس الوزراء الطموح، تواق لإظهار نفسه وهو يمشي على المسرح الدولي مغرداً:(إن العمل السريع حرم الحكومة السورية من موارد قيّمة).
لكن هذا بالضبط الأمر الذي لم يحدث، كانت العقوبات الاقتصادية في الشرق الأوسط وأماكن أخرى دائماً عقاباً جماعياً لشعب بأكمله، إن العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق بين عامي 1990 و 2003 لم تؤثر سوى على الشعب العراقي الذي بادر إلى بيع أثاثه في الشوارع.
زرت قرية تدعى بينجوين في شمال شرق العراق عام 1996 وكانت في منطقة يسيطر عليها الأكراد ، لكن لا تزال تخضع لعقوبات الأمم المتحدة.. تساءلت عن سبب فقدان الكثير من الناس في الشوارع ذراعاً أو قدماً، إن التفسير الذي قدمه لي القرويون لا يزال حياً في ذهني كمثال فظيع للمعاناة التي يعيشها الناس بسبب تأثير العقوبات التي تضاف على أعبائهم الكثيرة الأخرى، قال سكان بنجوين إنهم فقراء للغاية ويعيشون وسط حقول ألغام شاسعة.
خلال فترة العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق، قدرت الأمم المتحدة أن ما بين ستة إلى سبعة آلاف طفل عراقي يموتون كل شهر بسبب العقوبات، لقد انهارت الخدمات التعليمية والصحية: فقد شهد الأطباء الأجانب الزائرون (محاولات الجراحين العراقيين العمل بحذر شديد مستخدمين أدوات رديئة).
كتبت العديد من المقالات حول التأثير المدمر للعقوبات على ملايين العراقيين، لكن أحداً لم يبدِ الاهتمام، بررت الحكومات الأجنبية، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة استمرار العقوبات التي كان لها أسوأ الآثار على الشعب العراقي بالقول إنها بسبب أسلحة الدمار الشامل (التي تبين أنها غير موجودة).
استقال اثنان من منسقي الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة احتجاجاً على العقوبات المفروضة على العراق والعراقيين، لكن ذلك لم يحقق أي فائدة، تجدر الإشارة إلى أن الكلمات التي قالها أحدهم وهو دينيس هاليداي، أثناء مغادرته منصبه في عام 1998، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا كان قبل خمس سنوات من ظهور تنظيم القاعدة في العراق، قال (ما ينبغي أن يكون مثار قلق هو إمكانية تطور تفكير إسلامي أكثر تطرفاً، فنحن باستخدام العقوبات ندفع الناس إلى اتخاذ مواقف متطرفة).
وبعد مضي عشرين عاماً على ذلك، لننظر إلى سورية الآن مقارنة بما حدث بالعراق آنذاك. تخضع جميع الأراضي السورية لعقوبات اقتصادية من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والتي ذكر تقرير داخلي للأمم المتحدة تم تسريبه في عام 2016 أنها تسبب معاناة شديدة بين عامة السوريين. لا يمكن شراء الأدوية الأساسية والمعدات الطبية واستيرادها إلى سورية من قبل وكالات المعونة الأجنبية، يقتبس التقريرالمعنون (الآثار الإنسانية للتدابير التقييدية الأحادية ذات الصلة بسورية)- بمعنى آخر العقوبات – والذي تسرب إلى الإعلام، نقلاً عن طبيب أوروبي يعمل في سورية قوله:(التأثير غير المباشر للعقوبات… يجعل استيراد الأدوات الطبية وغيرها من الإمدادات الطبية صعبة للغاية، بل يكاد يكون مستحيلاً).
استهدفت عقوبات الأمم المتحدة ضد العراق العناصر (ذات الاستخدام المزدوج)، مثل أقلام الرصاص وإطارات سيارات الإسعاف، لأنه قد يكون لها استخدامات عسكرية وكذلك مدنية، يحدث الشيء نفسه مع فرض عقوبات على سورية اليوم مع فرض حظر على معدات الحفر وأنابيب إمدادات المياه والصرف الصحي وفقاً للتقرير.
بمعنى آخر، المجتمع بأسره يعاني من وطأة العقوبات، جزء من هذا جاء نتيجة ثماني سنوات من الحرب المضنية، ولكن العقوبات تزيد من حدة المعاناة ومنع الانتعاش، الأقل تضرراً هم نسبة ضئيلة، وفي جميع الأطراف تبقى المأساة والمعاناة الوحش الذي ينهش الشعوب.
ادعى المعادلون السياسيون لجيريمي هانت في التسعينيات أن حسابات وكالات المعونة من البؤس الذي لحق بالسكان المدنيين بسبب العقوبات كان مبالغ فيها، المسؤولون المطلعون جيداً مثل دينيس هاليداي، الذين احتجوا على ما كان يحدث، يمكن دائماً وصمهم بأنهم لا يكنون العداء لصدام حسين. كما ويمكن تجاهل منتقدي العقوبات على سورية أو تشويه سمعتهم بوصفهم متعاطفين مع الحكومة السورية، على الرغم من أن العقوبات الصارمة فشلت بشكل واضح بالنيل من صمود الحكومة السورية.
والسؤال: لماذا يبقى أولئك الذين يفرضون العقوبات قادرين على شق طريقهم رغم الإخفاقات السابقة؟ بالنسبة للحكومات فهو خيار سهل يتجنبون بواسطته مخاطر الحرب، وبالنسبة للكثيرين، قد تبدو العقوبات سلاحاً أكثر إنسانية ولكن ما يحدث حقيقة هو عملية تدمير بطيئة، على عكس القصف وإطلاق النار، وضحايا العقوبات هم من – الصغار والكبار والمرضى – يموتون في منازلهم بشكل خفي ونادراً ما يكون هناك دليل على أن العقوبات (المجرم الحقيقي) لها علاقة بوفاتهم.
الاندبندنت
ترجمة وإعداد: أمل سليمان معروف
التاريخ: الجمعة 12-7-2019
الرقم: 17022