تلاطــــــم الأمـــــــواج السياســــــية

لا يختلف اثنان لديهما اطلاع على قوانين البحار والملاحة الدولية في الممرات الحيوية بخصوص حادثة احتجاز بريطانيا ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق الدولي قبل أسبوعين، لجهة تصنيفها ضمن عمليات القرصنة المكتملة الأركان والمواصفات للعديد من الأسباب، من بينها التوقيت الذي احتجزت به الناقلة ــ بعد إسقاط طائرة التجسس الأميركية مباشرة ـ والمكان الذي احتجزت به الناقلة ـ المياه الدولية ــ إضافة إلى الأسباب غير المقنعة التي ساقتها الحكومة البريطانية لتسويغ فعلتها المدانة، والواقع هنا يشير إلى أن الحكومة البريطانية الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران من ضمن مجموعة خمسة زائد واحد، طبّقت أوامر ترامب ــ الذي زار بريطانيا قبل أيام ــ في سياق الحملة الأميركية لمعاقبة إيران وحصارها اقتصادياً ومنعها من تسويق وبيع نفطها الخام، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تنصل بريطانيا من الاتفاق واستحقاقاته التي تلحظ رفعاً للعقوبات الاقتصادية المطبقة على إيران منذ انتصار ثورتها عام 1979.
ما من شك أن قيام إيران قبل أيام قليلة باحتجاز ناقلة نفط بريطانية خالفت قواعد الملاحقة في مضيق هرمز ــ وفق مبدأ المعاملة بالمثل ــ ينقل الحدث في الخليج إلى مستوى جديد من التوتر، ويطرح مجموعة من السيناريوهات المحتملة حول تطورات الحدث ومفاعيله، وليس أدناها بالتأكيد المواجهة العسكرية التي يسعى إليها العديد من صقور إدارة ترامب، ما لم تتضافر جهود قوى دولية فاعلة لاحتواء الحدث وتطويق تداعياته في أكثر مناطق العالم سخونة.
للوقوف على الاحتمالات المتوقعة لما بعد احتجاز الحرس الثوري الإيراني للناقلة البريطانية «ستينا إمبيرو» لا بد من الاطلاع على موقف كل طرف، ولا سيما الجانب الأميركي الذي يحاول جرّ المجتمع الدولي إلى مواجهة مباشرة مع إيران وفق شروطه وحساباته الضيقة، بعيداً عن المصلحة الحقيقية لبقية دول العالم المستفيدة من نفط الخليج، والحديث هنا يدور حول ممر دولي حيوي تعبره ثلث شحنات النفط العالمية، ومن شأن أي توتر أو تصعيد فيه أن يؤثر بشكل مباشر على مجمل الاقتصاد الدولي ويرفع أسعار النفط إلى أرقام قياسية.
تؤكد مصادر بريطانية وفي مقدمتها وزير الخارجية جيريمي هنت أنه ستكون هناك عواقب إذا لم تفرج إيران عن الناقلة المحتجزة في مضيق هرمز، غير أنه نفى نية بلاده التفكير في عمل عسكري ضد إيران.
وأكد أن سفير لندن في طهران على اتصال بالخارجية الإيرانية لإيجاد حل للأزمة، وإن بلاده تتعاون عن كثب مع الشركاء الدوليين، للبحث في الخطوات المقبلة.
ولم ينس الوزير البريطاني أن يعتبر أن «احتجاز السفن غير مقبول، ومن الضروري الحفاظ على حرية الملاحة وقدرة كل السفن على التحرك بأمان وحرية في المنطقة»، متجاهلا القرصنة التي قامت بها بلاده في مضيق جبل طارق.
أما زعيم المعارضة البريطانيا جيرمي كوربن فقد طالب الإيرانيين بإعادة الناقلة البريطانية المحتجزة، وانتقد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي لأنه بذلك أشعل خطر صراع على نطاق واسع، على حد قوله، كما دعا كوربن إلى إعادة التفاوض حول الاتفاق عبر الأمم المتحدة.
في موازاة ذلك قال الرئيس الأميركي أنه سيبحث القضية مع السلطات البريطانية، مؤكداً علمه بالتقارير التي تحدثت عن احتجاز الناقلة البريطانية، في حين أكد غاريت ماركيز المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض أن بلاده سوف تعمل مع حلفائها وشركائها للتصدي لإيران، في إطار ما أسماه الدفاع عن أمن ومصالح أميركا وشركائها في مواجهة سلوك إيران.
في حين تحدثت تقارير عن عزم الولايات المتحدة القيام بإجراءات عسكرية لحماية أمن الملاحة البحرية في الخليج، كما تحدثت عن طلب أميركي لزيادة القوات في السعودية وموافقة النظام السعودي على الطلب، ما يعني إكساب الضغوط الاقتصادية على إيران بعداً عسكرياً.
في المقابل أعلن الحرس الثوري الإيراني مصادرة الناقلة البريطانية أثناء مرورها في مضيق هرمز، واعتبر أن سبب احتجاز الناقلة هو عدم اتباعها قواعد الملاحة الدولية، وأن عملية الاحتجاز تمت بناء على طلب السلطات البحرية في إقليم هرمزجان.
كما نوه بيان الحرس الثوري إلى أن الناقلة المذكورة جرى توجيهها إلى الشاطئ بعد توقيفها، وقد تسلمتها مؤسسة الموانئ والبحرية من أجل القيام بالإجراءات القانونية بشأنها، وقد عرض التلفزيون الايراني صوراً لعملية الاحتجاز الاحترافية التي تمت في رسالة قوية للسلطات البريطانية ومن يقف خلفها بأن إيران غير مكترثة بالتهديدات الأميركية، وأن أمن الملاحة في مضيق هرمز هو شأن إيراني بامتياز ولن تسمح لأحد بخرقه وتهديد مصالحها.
في ظل هذه المعطيات والمواقف تدخل منطقة الخليج مرحلة غير مسبوقة من التوتر وما لم تتدخل أطراف دولية فاعلة على خط ضبط النفس وتقريب وجهات النظر، والبحث عن حلول وسط، فمن الممكن انزلاق المنطقة إلى مواجهة عسكرية وثمة أطراف لها مصلحة بالصدام العسكري وتسعى إليه ولاسيما في الجانب الأميركي وكذلك الخليجي ولكن دون تبصر بالنتائج الكارثية التي قد تتمخض عنها مواجهة مدمرة من هذا النوع، في حين يوجد في واشنطن تيار آخر يفضل أسلوب الحرب الناعمة، ويفضل الاستمرار في حرب العقوبات والحصار ضد إيران لخنقها وخنق شعبها اقتصادياً وإخضاعها بهذه الطريقة، وهو ما لن تسمح به إيران ولو كلف ذلك خوض حرب عسكرية لفك الحصار، الأمر الذي يصعّب عملية التكهن بالسيناريوهات المحتملة التي قد يشهدها الخليج في الأيام والأسابيع القادمة، بانتظار أي حدث مفاجئ قد يقلب التوقعات.

عبد الحليم سعود
التاريخ: الثلاثاء 23-7-2019
الرقم: 17031

 

 

 

 

آخر الأخبار
دير الزور.. منظمات مانحة تدعم تنفيذ مشاريع المياه خطوط الصرف الصحي خارج الخدمة في الحسينية.. والبلدية تعمل على الحل انتقادات مصرية لمطالبات ترامب بشأن قناة السويس الفاعل مجهول.. تكرار سرقة مراكز تحويل الكهرباء في "عرطوز والفضل" Shafaq News : مؤتمر للأكراد لصياغة موقف موحد لمستقبل سوري دمشق وبغداد.. نحو مبدأ "علاقة إستراتيجية جديدة" "الأونروا": نفاد إمدادات الطحين من غزة الاحتلال يقتل 15 صحفياً فلسطينياً بأقل من 4 أشهر درعا: مناقشة خطط زراعة البطاطا في المحافظة خطة لدعم التجارة الخارجية وإرساء اقتصاد السوق الحر في ظلّ تداولات وهمية.. سعيد لـ"الثورة": وضع إطار تشريعي للتعامل بـ"الفوركس" الفنادق التراثية.. تجربة مشوقة للإقامة داخل المدن القديمة "مياه دمشق وريفها" تقرع جرس الإنذار وترفع حالة الطوارئ "طرطوس" 20 بالمئة إسطوانات الغاز التالفة "نيويورك تايمز" ترجح أن يكون "وقود صاروخي" سبب الانفجار في ميناء إيراني تطوير خدمات بلديات قرى بانياس وصافيتا "صحة درعا".. أكثر من 293 ألف خدمة خلال الربع الأول هل تُواجه إيران مصير أوكرانيا؟ نمذجة معلومات البناء(BIM) في عمليات إعادة إعمار سوريا "رؤية حوران 2040".. حوار الواقع والرؤية والتحديات