لا تلتزم لون عينيك، ولا حمرة أو سمرة خديك، ولا شيئا مما أنت عليه, لأنها أنت، نبضك، هويتك, دمك، حياتك, هل فكرت يوماً ما أن تفعل ذلك, وأنت في حال النعماء والصحة والعافية ؟ لكنك بالتأكيد فعلت الأمر بعد أن حل بك أمر ما, عارض طبي صحي, سمّه ما تريد ..
وعلى هذا القياس, كم مضى من الزمن ونحن ننام ملء الجفون, نمضي ونذهب, نعود ونعمل, نقرأ ونكتب, نمارس ألوان حيواتنا كلها ونحن مطمئنون أن يدا حانية تحرسنا, تقضي ليلها على عتبات الموت لننام, تعطش تجوع, لنأكل ونشرب, تقتحم الأهوال لنكون آمنين, هل فكرت صباحا كيف يمضي ابناؤنا إلى مدارسهم وهم سرب عصافير آمنة, هل وهل, الف سؤال يخطر بالبال, ونحن نعيش أهوال حرب قذرة فيها من الغدر ما فيها, تكالبت قوى العدوان من العالم كله، وغدر الأخ قبل العدو بنا, جحافل الإرهاب تتقاطر وكأنها أسراب جراد، من كل حدب وصوب، من الشرق والغرب، من الشمال والجنوب، من كل جهة خائنة أتوا، و وقف من يحرسنا في جفن الردى، وكأن الردى نائم، وليس في الموت من شك، لكنه العطاء ..
فقط اغمض عينيك للحظات وتأمل الصورة هذه، ماذا لو أن قطعان الوحوش هذه استطاعت النيل من عزيمة حراس الفجر والضوء، ماذا لو استطاعوا أن ينفدوا إلى حيث مخطط لهم أن يصلوا ؟
قوى غاشمة، ظالمة باطشة، كل ما تريده من مال وسلاح وعتاد يصلها، ودعم غربي مطلق، وشيطان العصر معها بكل فتاويه وماله، ومع ذلك، كسروا، دحروا، زلزلت الأرض تحتهم، لأن رجال الميدان رجال سورية هم من في الميدان، هم النبل الذي يحرسنا، ويمضي غير آبه بما يراه في ساحات الوغى ..
لسنا بذكرى، ولابيوم، إنما نحن نحتفي بالحياة بالطهر بالشهادة، بالتاريخ، وحقنا على العالم كله أن يحتفي معنا لأن فعل العطاء المقدس كان من أجل خلاصنا جميعا من وحوش العصر، حماة الديار ملحمة التاريخ، مذ كانوا إلى اليوم والغد، نعيش بدماء من ارتقوا، نتوضأ بطهرهم، هم الأعلون، هم الخالدون، لا نحتفي بيوم وذكرى إنما هي ملحمة الخلود، وما من نبض فينا إلا وهم ممن سما إلى العلياء، بكل بارقة نور ورفة قلب وجناح طير، وضحكة طفل هم الصورة الأبهى، في يومكم، عيدكم، وهو الدهر كله، أنتم سماء تظللنا، وماء يروي الحياة بالدم، لأنكم للوطن أوطان والرايات التي ترتفع ولا تنكسر، والرماح التي لاتنثني، لانكم اقمارنا، نحن بدمائكم باقون.
دائرة الثقافة
التاريخ: الخميس 1-8-2019
الرقم: 17039