الفنان المقاتل «إحسان الشمندي»..رسمت على بقايا صناديق الذخيرة لتنتصر الحياة على الموت

 

يستحضرُ كلّ فضاءاتِ الحياة، ويُحيلها إلى لوحات.. ينفضُ غبارها، فيتجلَّى جمالها.. ينبشُ في ذاكرتها، ويُشعل خصبَ أنوثتها.. خصبُ أرضها الموجوعة، وذاكرة أمومتها المفجوعة..
إنه «إحسان الشمندي» الفنان الذي يُبدع في حكايا لوحاته مثلما حكايا مفرداته، والذي يلوِّنُ قصيدتهُ، بنورِ ونارِ سوريته.. نورُ حرفها وحلمها ومجدها وعشقها، ونارُ الحقِّ الهادر غضباً على كلّ من تآمر عليها أو خان قلبها.
– لأجلِ هذا، ولأنه أيضاً أحد حُماة وطنٍ يتنفَّسهُ، قررنا محاورته والتعريف به، بادئين بسؤاله عما قال فيه عن نفسه:
— هناكَ بعدَ الكرومِ، وذاكَ الطفلُ تعرفهُ القبَّرات.. أصابعهُ الغضّة وهجُ القمحِ.. يرسمُ كلّ صباحٍ، بعيدانِ الثّقاب. يرسمُ على ورقةٍ لاعبتها الريحُ، شجرةَ اللوز العتيقة.. ساقها المجعَّد وجهُ جدّتهِ، بلونِ الزبيبِ والتينِ المجفَّف.. أعيديه إليكِ شجرة اللوزِ طفلاً، يرسمكِ بإحساسه الأول، وبعيدانِ ثقاب…
هذا أنا «إحسان» الإنسان. ابن محافظة «السويداء» قرية «امتان»، و «إحسان» الفنان: «بين لزوجةِ اللون/ وخشونة القماش/ تفتّح سوسنة، وأنا التقاءُ الخطِّ/ بالمنحنى».
أيضاً، أنا مقاتلٌ في الجيش العربي السوري.. فقدتُ منزلي ومرسمي وأعمالي أثناء الحرب، وحين كانت المعارك على أشدَّها، كنت أرسم على بقايا صناديق الذخيرة ومخلفاتها، كي أقدِّم الحياة على الموت، والجمال على القبح، وكنت أنشر على صفحتي كي يشعر الجميع بالتفاؤل والحياة.
– ينتهي من التعريف بنفسه، فنتوجه إلى أعماله الحالمة والمتمردة والمتفرّدة في بصمتها وألوانها التي تخصّه.. نتأمَّلها بعمقٍ يدفعنا لسؤاله عن هذي الحياة التي تتوهج فيها، لكنه يتركُ لتأملنا فرصة قراءتها وتأويلها:

 

— قد يَقتل الفنان لوحته بالكلمات، فلا تطلب منه شرح لوحته فتولد ميتة. اللوحة الحية هي اللوحة الغامضة متعددة التأويل، تستوقفنا طويلاً ونعود إليها مرات ومرات.
كل لوحة تحكي زمنها، والفنان الجيد هو الفنان الأبكم الذي يضبط إيقاعات اللون والخطوط بعد أن ينزف داخله لوناً على البياض..
– لاشكَّ أنها فلسفة، تضطرُّ من يسمعها أو يقرأها، للتوقف لدى أعمال وألوان هذا الفنان. أيضاً، للإنصاتِ لكلماته المصرَّة على ابتكارِ المميز من أدواتٍ قال عنها:
— أنا دائم البحث عن أدوات جديدة أبتكرها، وأبحث دائماً عن لون رابع ومازلت أحاول خلقه، فالألوان هي عشقٌ واشتهاءٌ ولعنه لا مناص من سطوتها ولا مفر..
– هذا ماقاله لنا عن ألوانه وأدواته، ليكون ماقاله ولدى سؤالنا عن العين التي قصدها في كلماته: «أنا فقط أرى في اللوحة ماترسمهُ عينايَ عن بُعد، وهذا التناغم بيني وبين اللون، يتحوّل إلى حالةِ عشقٍ تجعلني أغفل عن عيوبِ الرسم، وهنا أحتاج عيناً غير عيني»:
— العين التي أحتاجها هي عين المتلقي، لأنني أعتبر أن المتلقي هو الناقد المفيد، وأنه أمانة في عنق الفنان. لا ألوث بصره ولا بصيرته، وأنتقي مايجعله يشعر بالدهشة والجمال والحياة.
لوحة ولون وكلمة أو قصيدة.. هكذا تتماهى الحياة في أعماله.. يتماهى معها فيغيّرها ثمَّ يأمرها: «غيرتُ معالمَ الأشياء/ زركشتُ جنوني/ وخرقتُ جدارَ اللون/ فكوني الآن قصيدتي/ أو لا تكوني».
– يأخذها بأناملِ الإبداع إلى سحرِ عوالمه، فإلى أين تأخذه والبحث عما وراء الغموض هو مطلبه؟..
— تأخذني في رحلةِ استكشاف.. تقول لي هاتِ يدكَ، وتأخذُ مني عينيّ وأصابعي، فأسلّم نفسي لها، وأتبعها على غير هدى..
هذا ماتفعله بي اللوحة، فاللوحة التي لا تأخذك إلى عوالم لم ترها من قبل، تبقى مجرد صورة، ويبقى الفن مجرد حرفة، وشتّان ما بين الحرفة والاحتراف..
– نتوقف أمام إحدى صور صفحته، فتلفتنا صورته ببذَّته.. نقرأ له: «قرأ في كفّي/ وقرأتُ في عينيهِ أرضاً غير أرضي/ كيف أمضي؟/ وبعضي هنا/ يشتاقُ بعضي؟».. نسأله: أهي فلسفة الوجع الذي بات يقرأنا، أم فلسفة فنانٍ يقرأ الوجع بألواننا؟..
— إنها فلسفة الحنين، والخوف من فقدان الوطن ومسقط الرأس، وهو ما كتبته بعد أن قرأ صديقٌ كفّي وقال لي، ستموت في سنٍّ مبكرة وبأرضٍ بعيدة، فتألمت لدى سماعي هذا منه، فأنا أحب أن تحضنني أرضي التي هي الوطن ومسقط الرأس. أنا أقرأ ذاتي، وحين أرسم أكون في رحلة استكشافٍ لهذه الذات.
– حتماً هو حنينٌ سببهُ الحرب التي ومثلما فرضت عليه أن يواجهها ببارودته، فرضت عليه أيضاً، أن يواجهها بلوحته, الحرب المقيمة في ذاكرةٍ وإن تفاقمت أوجاعها، إلا أن الحياة مقيمة فيها وألوانها:
— /عند أسوار الرياح/ غمرَ الرملُ نصفَ عباءتي/ ونصفها يبَّسته الجراح/ ووردةٌ قَذَفتها الريحُ عنوة/ نامت بجانبي حتى الصباح/.
– باختصار، هو فنانٌ متعدد المواهب الإبداعية.. مقاتلٌ يعشق والعشقُ لوحته وكلمته وقصيدته سوريَّة.. فنانٌ، نسأله عن حلمهِ ورسالته، فتكون كلمته:
— الحربُ على سورية لم تكُ حرباً عسكرية وإعلامية فحسب، بل كانت توازيها الحرب الثقافية الأشدُّ فتكاً بالقيم والحضارات، والتي عملت على مرِّ سنوات الأزمة على تشويه الفن والأدب من خلال تكريمات وشهادات مزيفة ومكثفة تأتي من الخارج تحت أسماء وعناوين براقة، وهو ماأفرز التردي والانحطاط، ناهيك عن بعض المواقع والمنتديات الداخلية التي لاتخلو من الشبهة والعمالة.
حلمي أن أبقى راسخاً بأصالتي في لوحتي.. رسالتي لكلِّ هؤلاء ولكلِّ المساهمين والصامتين عن نشر هذا الانحطاط والتردي: ارتقوا، وكفّوا عن نشرِ البشاعة في بلدنا..

هفاف ميهوب
التاريخ: الخميس 1-8-2019
الرقم: 17039

 

آخر الأخبار
الرئيس الشرع يستقبل المبعوث الخاص لرئيس الوزراء العراقي إلى سوريا الرئيس الشرع وملك البحرين يؤكدان تعزيز التعاون الخارجية الأميركية: العلاقات مع سوريا تدخل مرحلة جديدة غروسي: نتطلع إلى تعزيز التعاون مع سوريا ونخطط لزيارتها مجدداً تعزيز التنسيق المشترك عربياً ودولياً في لقاء نقابي سوري سعودي  "المركزي" كوسيط مالي وتنظيمي بين الأسر والشركات  "وهذه هويتي".. "حسين الهرموش" أيقونة الانشقاق العسكري وبداية الكفاح    إصدار التعليمات التنفيذية لقرار تأجيل الامتحانات العامة   لبنان يعلن عن خطة جديدة لإعادة النازحين السوريين على مراحل لاستكشاف فرص التعاون والاستثمار.. الحبتور يزور سوريا على رأس وفد رفيع قريبا  2050 حصة من الأضاحي لأهالي ريف دمشق الغربي "أطباء درعا" تقدم الأضاحي عن أرواح شهداء الثورة   التربية تشدد على التنسيق والتأمين الكامل لنجاح امتحانات2025 ضخ المياه إلى شارع بغداد بعد إصلاح الأعطال الطارئة أعطال كهربائية في الشيخ بدر.. وورش الطوارئ تباشر بالإصلاحات الجولات الرقابية في ريف دمشق مستمرة لا قضيّة ضد مجهول.. وعيونهم لا تنام الأدفنتست" تعلن بدء مشروع "تعزيز سبل العيش" في درعا "تاريخ كفر بطنا ".. خربوطلي : من أقبية الفروع الأمنية بدأت رحلتي  نيويورك تايمز: المقاتلون الأجانب بين تقدير الثورة ومخاوف الغرب