كان واضحا منذ مطلع الألفية الثالثة غياب مصطلح (الحروب المباشرة) عن الإستراتيجية الأميركية التي بدأت تنحو باتجاه مصطلحات جديدة مثل ( الحروب غير المباشرة) أو (الحروب بالوكالة) أو (الحروب من الداخل)، وبدأت العمل على جعلها واقعا وحقيقة على الأرض مهيأة لها كل الظروف والأدوات المناسبة، كان أبرزها استحداث وصناعة أعداء وهميين وخلق تنظيمات وميليشيات إرهابية تزرعها في المكان الذي تريد تدميره وتخريبه والسيطرة على قراره وسيادته وثرواته.
من هنا كان التفسير واضحاً للدعم والاحتضان والرعاية الكبيرة التي توليها الولايات المتحدة للتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم «داعش» الإرهابي الذي اعترفت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون بصناعة بلادها له ونقله إلى المنطقة لاحتلالها وتدميرها والسيطرة على مقدراتها، وهذا ما يميط اللثام عن الأدوار القذرة التي كانت ولا تزال تلعبها واشنطن خلف الكواليس للعبث بحوامل وعناوين وتفاصيل فسيفساء الشعوب، وهذا الترابط الوظيفي واللا أخلاقي بين التنظيمات الإرهابية والولايات المتحدة يجيب عن كافة التساؤلات التي لطالما كان الأميركي والغربي يحاول تجنب الإجابة عنها، والتي كانت تلقي الضوء على أسباب وأسرار وجود الأميركي في المناطق التي توجد فيها العناصر الإرهابية، وهذا ينطبق على الحالة السورية والحالة العراقية بشكل ثابت وواضح، فحيث يكون تنظيم «داعش» تكون الولايات المتحدة من اجل دعمه وحمايته وتأمين كل متطلبات قيامه بمهامه التدميرية والتخريبية بما يحقق الأهداف الأميركية التكتيكية منها والإستراتيجية والتي تؤمن من جهة تدخل الأميركي في كل شاردة وواردة، ومن جهة ثانية تؤمن بقاءه في الجغرافيا التي يحتلها ليفرض شروطه ومطالبه وليمارس سياسة الابتزاز والاستثمار في كل المتغيرات والتحولات التي تطرأ على المشهد.
ما كشفه المفتش العام في وزارة الحرب الأميركية قبل أيام عندما قال: إن تنظيم «داعش» الإرهابي سوف يعاود الظهور في سورية إذا سحبت الولايات المتحدة قواتها المحتلة من هناك، وأن التنظيم الإرهابي قد عزز قدراته في العراق، يؤكد ما قلناه، والأكثر يفتح الباب مشرعاً على تساؤلات جديدة حول نيات الولايات المتحدة في المنطقة، لاسيما في سورية والعراق، فكيف تتنبأ واشنطن بعودة التنظيم إلى الحياة وهي التي أعلنت مرارا وتكرارا القضاء عليه عبر تحالفها المزعوم لمحاربته، بل كيف تسمح له بتعزيز قدراته في العراق حيث توجد القوات والقواعد الأميركية، في ظل الصمت الأميركي المريب عن مصير الآلاف من عناصر وقيادات التنظيم الإرهابي الذين اختفوا فجأة من سورية وظهورهم في أماكن أخرى تحت أعين الطائرات الأميركية التي كانت تؤمن لهم الحماية والتغطية للهروب والانتقال إلى تركيا والعراق والى أماكن أخرى بعضها في أوروبا من حيث جاء الكثير منهم.
كذلك وفي سياق الترابط الوظيفي بين الولايات المتحدة وتنظيم «داعش» الإرهابي فقد نشرت وكالة سبوتنيك الروسية في الخامس عشر من شهر كانون الأول من العام 2016 صورا لوثيقة غامضة صدرت عما يعرف بـ «ديوان الجند» التابع لـ «داعش» الإرهابي، تمنع فيها عناصرها من استهداف أي طائرات للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في الموصل ومحيطها مهما كان انخفاضها أو ارتفاعها، وأوضحت الوكالة أن هذه الوثيقة كانت معلقة على حائط مقر «ديوان الجند» للتنظيم الإرهابي المذكور في بلدة بغديدا (قرة قوش) التابعة لقضاء الحمدانية جنوب شرق الموصل، وبمقابل ذلك فقد كشفت تقارير كثيرة أن الجنود الأميركيين كانت لديهم أوامر صارمة بألا يستهدفوا تنظيم «داعش» الإرهابي حتى لو كانت الأهداف واضحة أمامهم، وذكرت تقارير قدمها الطيارون الأميركيون العائدون من العراق أن 75% من طلعات الطائرات التي كان مفترضا أن تقصف أهدافا لداعش الإرهابي تلقت أوامر بالعودة من دون شن أي هجمات أو إلقاء أي قنابل بحجة عدم وضوح الأهداف.
فؤاد الوادي
التاريخ: السبت 10-8-2019
الرقم: 17046