كثيراً ما نسمع اليوم عن جماعات خيالية أو بالأصح افتراضية, وكذلك نسمع عن مدن افتراضية ومؤسسات افتراضية ومعابد افتراضية, بل وعالم افتراضي.. ويقصد بهذا المصطلح الافتراضي -على ماأعتقد- كل مايحاكي الواقع الملموس أو يناظره إلى حد يخيل لنا أنه واقع..
والحالة الافتراضية هي على نحو ما أيضا كل حالة تتجاوز الواقع بالفعل..لكننا أصبحنا نتعامل مع الافتراضي على أنه حالة فعلية قائمة.. فالصورة الجامدة أمامنا هي صورة خيالية وافتراضية لكنها تحاكي الواقع وتتناظر معه.. كذلك الأفلام السينمائية هي حالة تتحاكى مع الواقع وتتناظر معه وهي أيضا حالة افتراضية..
وبالمعنى ذاته..فالأسطورة التي تتجاوز الواقع هي حالة افتراضية خيالية لكنها مع ذلك فقد رسخت في أذهاننا ونتداولها كما لو أنها حقيقة بالفعل !
وتتنوع أشكال الافتراضيات ومصادرها بين ما هو من صناعة السحر أو خيال الشعراء أو طوباويات الأيدولوجيا أو أحلام التكنولوجيا..
ولكل عصر افتراضياته, حيث يمارسها الإنسان، ومن خلالها يمارس شتى مايستطيع محاولاً قهر الطبيعة وهو يستغرق أكثر في حلم قهر الطبيعة وهو يتخيل أنه يمتلك إرادة لا تتحقق له في عالم الواقع ودنياه..
قلنا ماقلناه آنفا بقصد تقديم توصيف مكثف عن بعض المفهومات والاصلاحات المتداولة اليوم بخصوص الواقع والواقع الافتراضي..
وإذا جاز أن يكون لكل عصر وزمان افتراضات ما أو حالات افتراضية وخيالية فإنه من الأكيد ليس ثمة وجه للمقاربات أو المقارنات بين الافتراضية والخيال بين اليوم والأمس..
فالعصور الماضية رحلت عنا ولم نعشها أصلا أما اليوم فنحن نعيش عصر التكنولوجيا وما جاد ويجود به إلى الآن من القدرة على التجرد والتجريد والمحاكاة والتمثيل والإيحاء والرمزية وغيرها وكل ما يوفره هذا العصر الرهيب-إذا صح التعبير- من إمكانات وافرة للتبادلية والتفاعلية مع الواقع مع ما نجد فيه من النماذج والنظم القابلة للمحاكاة..
فالإنترنت يجسد اليوم الفضاء المفتوح الذي تقيم فيه الجماعات الافتراضية متعددة الأشكال والوظائف والاهتمامات..
إذ إن هذه الجماعات تتكون عن بعد وقد تقيم فيما بينها علاقات مختلفة كالتجارة الإلكترونية الافتراضية للبيع والشراء ويمكن لجماعات أخرى أن تقيم المعارض الافتراضية لبيع الكتب, وأن تقتني من هذه المعارض مطبوعاتها الرقمية وتشكل مكتباتها الرقمية وهو أمر واقع اليوم !
كما يمكن لجماعات افتراضية أخرى أن تجمع الوثائق الالكترونية وغيرها من الاهتمامات التي يتبادلها اليوم مايمكننا تسميتهم ب (مواطني الانترنت), وهم مقيمون حيث هم !
نحن أيضا نتصفح ونتفاعل فيما نجده حقيقة أمامنا على صفحات هذا الفضاء المفتوح..
ولكن !!فإن ثمة سؤال كبير يقفز الآن إلى الخاطر..
ترى أن يكون أحدنا في متاحف دمشق أو يكون ماشيا متأملا أبوابها وأوابدها وأسواقها, كمن يتصفحها ذاتها على صفحات الانترنت ؟!
شتان مابين الحقيقي والافتراضي..
وأخلص هنا إلى أن الواقع (الافتراضي) يأتي ثانيا,بمعنى أنه يقع في المستوى الثاني,بعيدا عن مستوى الواقع الحقيقي, دون أن نسقط أهميته لأنه يجسد بالفعل ذروة ماتوصلت إليه تكنولوجيا الانترنت في عصرنا الذي نعيشه..
والمحاكاة الرقمية التي نعيش أبعادها اليوم هي من أروع مايمكن تسميته بهندسة الخيال التي تجمع بين العلم والتكنولوجيا والفن،مستغلة هذا التطور الهائل الذي وصله عالم اليوم.
عبدالمعين زيتون
التاريخ: الأثنين 12-8-2019
رقم العدد : 17048