هو بحّار عاشق للصدف، راح يلم صدفات الشاعرات ويعلقهن بطوق جيد السبك ليتسنى لعاشق الكلمة أن يمعن النظر ويسافر في بحور الشعر التي غرقت فيها الشاعرات حدّ الحياة.
فمنذ عام 1934 أبصر كتاب «شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام» النور للباحث بشير يموت الذي جمع فيه ما عثر عنه من الشعر النسائي في شبه سلسلة تاريخية ينتقل بها القارئ من عصر الجاهلية الأولى إلى عصر البعثة النبوية وما قيل فيها آخر الشعر الجاهلي، بادئاً في الشعر الإسلامي بشعر ليلى الأخيلية التي تعد أشهر شاعرات الإسلام وأكثرهن شعراً، ثم شاعرات العصر الأموي في الشرق والأندلس ثم شاعرات العصر العباسي وما يليه، خاتما الباحث بشعر تقية الصورية من نساء العصر الهجري السادس.
لم يذكر «يموت» شاعرات العصر الأخير لأن أكثرهن قد طبع شعرهن إما في ديوان وإما في الصحف والمجلات وهو متداول ومعروف، بل تقصد إلى نشر الشعر النسائي المتفرق المجهول وكذلك لم يذكر الخنساء لأن ديوانها مطبوع، فوفقاً لما ذكره الكاتب في بحثه قد يبلغ عدد النساء اللواتي تقرأ أشعارهن بالمئات ولكن ما وجد لهن من الشعر قليل بالنسبة للعدد أو هو لا يكاد يوازي شعر شاعر واحد من الشعراء المكثرين.
على أن في هذا الشعر النسائي كل أبواب الشعر المعروفة في ذلك الزمن، فالمدح والرثاء والهجاء والغزل والحكمة والنصيحة وإثارة الحماس والوصف الطبيعي وأحياناً الغزلي وفيه التحزب السياسي والقومي.
ومنهن من امتزن بجودة اللغة ومسايرة كبار الشعراء في المتانة وصحة اللغة كـ ليلى الأخيلية وبنت طريف والفارعة وبنات الخس وأم الضحاك.
تقرأ شعر قتيلة بنت النضر بن الحرث في رثاء أبيها واستعطاف الرسول عليه السلام فيكاد يذهب بك التصور إلى أنك تشهدها وهي تنشد ذلك الشعر البليغ المؤثر «للأرحام هناك تمزق» هذا شعر وكما ذكر الكاتب ما رأيت أشد منه تأثيراً على النفس حتى قال الرسول إنه لو سمعه قبل قتل أخيها لعفا عنه.
أما ليلى بنت طريف على أننا لم نر لها غير قصيدة فذة وبضعة أبيات ولكنها فاقت على كثير من فحول الشعر في تلك القصيدة فهي في المتانة كأنها شعر الفرزدق وفي الرقة كأنها حنين الخنساء ولين جرير: « فيا شجر الخابور مالك مورقا كأنك لم تجزع على ابن طريف؟؟»
والشاعرة حميدة بنت نعمان «يظهر أنها لم توفق بزوج ترضاه وترى أنها تستحق أحسن الأزواج» ففاضت نفسها بهجاء الرجال والأزواج هجاء يجمع أطراف السيئات والقباحات تلصقها بهم من كل جانب.
على ما يبدو أن أكثر الشعر النسائي هو في الرثاء، ولا غرو فالحزن ينبعث عن النفوس الحساسة ولاجدال بأن المرأة أقوى إحساسا وأشد عاطفة وشعوراً.
ومنهن أم كيم جويرية وأم عقبة وأم خالد النميرية وتلك الأعرابية التي ترثي ولدها بقولها»ختلته المنون بعد اختيال» وغيرهن ستجد لهن البدائع في الرثاء، في وريقات سائغة لكل مريد وباحث ومنقب للفكر والأدب.
رنا بدري سلوم
التاريخ: الخميس 29-8-2019
رقم العدد : 17059