المدينة والثقافة دمشــــق أنموذجـــــاً

 

الملحق الثقافي:د. محمود شاهين:

(المدينة والثقافة: دمشق أنموذجاً) كتاب ضم سبعة عشر بحثاً عائداً لمجموعة من الكتّاب السوريين والعرب والأجانب، قام بتنسيقها جمال شحيّد. تدور أبحاث الكتاب حول المدينة، ضمن ثلاث محاور: الأول نظري، والثاني تطبيقي، والثالث تاريخي، لكن الجانب التطبيقي لم يعالج مدينة دمشق حصراً، إذ شاء بعض الباحثين، أن يتكلموا عن مدن أخرى كباريس، والقدس، ودبلن. المهم في ذلك أن المقارنة كانت الهدف المستتر بين دمشق وهذه المدن، فكيف تتفاعل دمشق مع الثقافة؟ أو بالأحرى مع ثقافتها؟

تساؤل يجيب عليه منسق أبحاث الكتاب، مؤكداً بأنه لا يستطيع أن يكون رومانسياً، يحلم بأمجاد مدينة عرفها في صباه وأحبها. كذلك لا يستطيع أن ينظر إلى دمشق كما نظر إليها شعراؤها الذين عرّش الياسمين على أصابعهم، وهَبَّ صبا بردى النهر القتيل على وجوههم، ولا يريد أن يتكلم عن تلك الدمشق الآراميّة، والهلنستيّة، واليونانيّة، والرومانيّة، والعربيّة، بكل أطياف الأسر التي حكمتها. ولن يتكلم عن دمشق العثمانيّة، أو الفيصليّة، والتي قاومت ببسالة سلطة الانتداب الفرنسي، تاركاً للمؤرخين متعة التمحيص عن ماضي هذه المدينة وأهلها.


ما يريد التكلم عنه هو دمشق في نهاية القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، وعلاقتها بالثقافة، من خلال إثارة جملة من التساؤلات الهامة منها: هل دمشق مخدومة ثقافياً كما يليق بمدينة عمرها عشرة آلاف سنة؟ وهل لهذه المدينة هوية ثقافيّة خاصة بها؟ هل هي مدينة منفتحة ثقافياً على العالم، أم أنها ما زالت تجتر وضعها كمدينة داخليّة محافظة؟
نحن (كما يقول شحيّد) في عصر العولمة والقرية الكونيّة، فهل أصاب هذه المدينة تحديث ثقافي، ولبرلة سياسيّة واقتصاديّة تتناسب مع وضعها كحاضرة كبرى من حواضر الشرق الأدنى، لاسيّما إذا علمنا أن العاصمة هي المكان الذي تتحدد فيه معالم الدولة والمواطنيّة، وتتبلور فيه نوعيّة العلاقة بين السلطة والمجتمع. إنها البوتقة التي يكتوي جميع سكانها بنارها!

صناعة الثقافة
تباينت صورة المدينة في الأبحاث التي ضمها الكتاب، واختلفت من كاتب إلى آخر. فهي لدى كمال ديب، لم تلعب في مكانتها المركزيّة دائماً، دوراً واحداً في عمليات الإبداع والإنتاج الثقافي، وإنما دورين مختلفين. بينما يراها وليد إخلاصي سلطة تصنع الثقافة. أما المواطنيّة لدى حسان عباس، فهي ليست موضوعة سياسيّة، ولا قضية قانونيّة فحسب. إنها قبل كل ذلك قضية ثقافيّة بالمعنى النبيل والحضاري لكلمة ثقافة. ودمشق المدينة التي تمد جذورها عميقاً في التاريخ لتستقي من كل الروافد الغنية التي عبرت أرضها، لا يليق بها إلا أن تتمثل هذا الغنى لتبقى مدينة/ وطناً يغري الناس أن يتدمشقوا.


وتطل المدينة، أي مدينة، برأي طالب الرفاعي، من عيون أبنائها، ويراها مدبوغة على جلودهم، وفي حكاياتهم الشعبيّة، وفي زغزغة الفرح على صفحات وجوههم. أما غادة السمان فترى دمشق مسكونة بياسمين جدتها، وتظل محفوظة في صناديق الماضي، ببيوتها العتيقة، وأزقتها، وأبوابها القديمة اللامنسيّة. فيها تزوج الحنانُ الحجرَ، فولدت بيوت تنحني على أهلها كرحم في أزقة متلاصقة الشفاه كهمس العشاق. وفي بحثها عن القدس، تذهب سحر خليفة للبحث عن صورة لها معنى، عن لقاء الأهل، عن لمّ الشمل، هنا في الفيحاء، كما في الضفة، كما في غزة، كما في العاصمة العربيّة ذات الأبعاد. تبحث عن قِبلة وعن قُبلة فهم، عن قبلة حلم، عن قبلة لقاء، أو قبلة وعد باللقيا. قبلة ولقاء في الأقصى، كما في الفيحاء.

عراقة التاريخ
وتتحدث باولا فيفياني عن دمشق، مؤكدة صدق إعجابها بها، وانبهارها بسحر جمالها، وعراقة تاريخها، وعظمة سيرتها، وضيافة أهلها. واستعرض نبيل سليمان الفسيفساء الدمشقيّة روائياً. وتوقف عبد الكريم رافق عند الثقافة في دمشق في الفترة العثمانيّة. ورأت أولريكة فريتاغ في وجود صلاح الدين في دمشق رمزاً لقلب العروبة النابض. واستعرضت إليزابيث ف. تومبسون الحركة النسائيّة وتغير الثقافة السياسيّة في دمشق ما بين 1918-1940.

 

وتؤكد حنان قصاب حسن على ارتباط الحراك الثقافي بالمدينة، بكونها فضاءً مبنياً في الإنسان. فيه إمكانيّة اللقاء والتواصل والحوار، وكانت دائماً أمكنة اللقاء والتواصل هي الأمكنة التي تنطلق منها كل الحركات الفكريّة والثقافيّة، وقد عرفت دمشق على مدى تاريخها، حركة صاعدة أحياناً، وهابطة أحياناً أخرى، لكنها ظلت محافظة على مكانتها في قلب العالم العربي، وفي قلب العالم. واليوم دمشق عاصمة للثقافة العربيّة، وعاصمة عربيّة للثقافة. وتُضيف حسن مشيرةً إلى أن الفترة التي أتى فيها الريفيون إلى المدينة، هي فترة التفاعل الثقافي، بما رافقها في حركة تمدين الريف وترييف المدينة، ولهذه الحركة أبعاد سلبية وايجابيّة.

حاضنة الحركات الفكرية
لقد شهدت مقاهي مدينة دمشق في الخمسينيات من القرن الماضي، شغب الشعراء، وصخب الروائيين، وجنون الفنانين التشكيليين، واستقبلت كل القادمين من البلدان العربيّة، ليلتقوا أشقاءهم في دمشق. انطلقت كل الحركات الفكريّة التي نرى آثارها اليوم،في سوريّة والبلدان العربيّة، من ثقافة دمشق، لأن معظم الحركات قد انطلقت منها. وفي الوقت نفسه، كان هناك نظرة رومانسيّة إلى حياة أخرى هي حياة الريف، لكن هذه النظرة الرومانسيّة استبدلت بنظرة أخرى. فاليوم لم تعد الفروق واضحة بين الريف والمدينة، لكنا اليوم أمام تحديات جديدة، فما بين الخوف من الغزو الثقافي والانكفاء على الذات، والانفتاح على العالم، شعرة يجب ألا تُقطع. وإذا وصلنا إلى هذا الانكفاء، فذلك يعني أننا أغلقنا أبوابنا إلى الأبد. يجب أن نكون واثقين بحضارتنا وثقافتنا، وجاهزين استناداً لهذه الثقة، للتفاعل الثقافي مع شعوب العالم الأخرى، لأن القافة أخذ ورد.
وأخيراً يُشير منسق الكتاب جمال شحيّد إلى أن لكل مدينة خصائصها اللغويّة والفنيّة والفكريّة، ولها عاداتها اليوميّة وعقليتها، وهو شخصياً يحب التجوال في شوارع دمشق العتيقة، الهادئة، الرقراقة بالمشاعر الإنسانيّة، باحثاً عن ذلك الزمن الهارب، علّه يستعيده يوماً ويضيف إليه.

 التاريخ: الثلاثاء24-9-2019

رقم العدد : 966

آخر الأخبار
مشايخ وعلماء مدينة حلب يباركون للقائد الشرع انتصار الثورة الرئيس أردوغان يستقبل الشيباني في أنقرة 6 دول أوروبية تدعو إلى تخفيف العقوبات على سوريا طلبة جامعيون لـ "الثورة": أجور النقل بين العاصمة والريف مرهقة لنا القائد الشرع يلتقي وفد المفوضية السامية للأمم المتحدة أكثر من ٣,٥ ملايين طالب وطالبة يتقدمون للامتحان الفصلي الأول خدمات صحية متنوعة يقدمها مستشفى الحراك الوطني بدرعا ورشة تدريبية بدرعا للتعرف على ذوي صعوبات التعلم وتشخيصهم انخفاض كبير بأسعار المواد الغذائية في طرطوس تحسن ملحوظ بصناعة رغيف الخبز في درعا تخفيف العقوبات على سوريا على طاولة "الأوروبي" سرقة 5 محولات كهربائية تتسبب بقطع التيار عن أحياء في دير الزور "دا . عش" وضرب أمننا.. التوقيت والهدف الشرع يلتقي ميقاتي: سوريا ستكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين إعلاميو اللاذقية لـ"الثورة": نطمح لإعلام صادق وحر.. وأن نكون صوت المواطن من السعودية.. توزيع 700 حصة إغاثية في أم المياذن بدرعا "The Intercept": البحث في وثائق انتهاكات سجون نظام الأسد انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في القنيطرة "UN News": سوريا.. من الظلام إلى النور كي يلتقط اقتصادنا المحاصر أنفاسه.. هل ترفع العقوبات الغربية قريباً؟