الثورة- هبه علي:
تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولاً جوهرياً في موازين القوى مع تغير الدور الأميركي التقليدي فيها، مع الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفي هذا المناخ وجدت دول الخليج العربي نفسها أمام فرصة تاريخية للانتقال من دور الممولين للنظام الإقليمي إلى مهندسين استراتيجيين له.
وجاء في مقال على موقع “ميدل إيست آي” إن دول الخليج، وخاصة قطر وعُمان والمملكة العربية السعودية، وجدت نفسها أمام فرصة تاريخية للانتقال من دور الممولين للنظام الإقليمي إلى مهندسين استراتيجيين، وبالتنسيق مع مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، عملت هذه الدول بثبات نحو إطار عمل لاتفاق نووي جديد مع طهران، مما بدا وكأنه بزوغ فجر انفراج إقليمي.
لكن هذه اللحظة الواعدة اصطدمت بواقع جديد بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، حيث تحولت إسرائيل تحت قيادة بنيامين نتنياهو من استراتيجية “جز العشب” المدروسة إلى ما يشبه “المنشار الآلي” المتطرف والمتصلب أيديولوجياً، وكما ذكر “ميدل إيست أي”، فإن إسرائيل تعمل على تعظيم أدواتها العسكرية والاستخباراتية لفرض شروطها على السياسة الأميركية في المنطقة.
وجاء في التحليل أن إيران ليست العراق، ومن غير المرجح أن تنجح أي محاولة لتغيير النظام فيها عبر التدخل العسكري المباشر، وبدلاً من ذلك، يشير “ميدل إيست أي” إلى أن ما يظهر هو استراتيجية طويلة الأمد لتفكيك الجمهورية الإسلامية عبر الضربات الجوية والاغتيالات المستهدفة، ما قد يؤدي إلى أزمة خلافة طويلة ودكتاتورية عسكرية أو دولة فاشلة.
في هذا السياق، تواجه دول الخليج معضلة وجودية، فمن ناحية، تتمتع بتشابكات كبيرة في المجالات المالية والطاقة والدبلوماسية تفوق بكثير ما كان لديها خلال أزمة النفط عام 1973، ولكنها تتردد في استخدام هذه الأدوات لفرض تأثيرها على سياسات واشنطن الإقليمية.
وأكد “ميدل إيست أي” على ضرورة أن تتحول دول الخليج من دور الممولين إلى اللاعبين الاستراتيجيين الفاعلين، وذلك عبر طرق عدة، منها، إعادة بناء جماعة الضغط الخليجية في واشنطن، للضغط من أجل العودة إلى الدبلوماسية بدلاً من التصعيد، مع الاستفادة من الجسور الدبلوماسية القائمة مثل الجسر القطري العماني مع إيران.
وأيضاً، فإن تنويع الشراكات الجيوسياسية في عالم متعدد الأقطاب، يمكن دول الخليج من الاستفادة من التقارب مع الصين في المجال الاقتصادي، ومع روسيا في الحوارات الأمنية، ما يخلق ضغوطاً على الولايات المتحدة لأخذ مخاوف الخليج بجدية أكبر.
بالإضافة إلى ذلك، ضرورة إدراك القوة الاستراتيجية الفريدة، حيث تقع دول الخليج في قلب الطاقة والتجارة العالمية، وتشكل المنطقة العازلة بين الشرق والغرب، ما يمنحها قدرات وساطة وتمويل للسلام لا تتوفر لأي طرف آخر في المنطقة.
وختم موقع “ميدل إيست أي” بالقول: إن دول الخليج تقف اليوم أمام خيارين مصيريين، إما أن تنتقل إلى دور القيادة الاستراتيجية الفاعلة في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط، أو تظل حبيسة دور الممول الذي ينظف أنقاض الصراعات التي لم يكن لها دور في منعها، في ظل النظام الإقليمي الجديد الذي يفتقر إلى التوازن، حيث تبرز إسرائيل كقوة مدمرة دون رؤية بناء، في حين يصبح دور الخليج أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، “إما أن ينهض ليشكل مستقبل الشرق الأوسط، أو أن يترك لينظف أنقاضه”.