تعتبر استحالة القتل أحد تطبيقات نظرية عامة في القانون الجنائي هي نظرية الجريمة المستحيلة ومعناها الجريمة التي يستحيل تنفيذها وقد أثارت الجريمة المستحيلة نقاشاً في الفقه حول ما إذا كان من الممكن اعتبارها صورة من صور الجريمة الخائبة كجريمة شروع أم أن الجريمة المستحيلة تنفرد بحكم خاص.
وحسماً لهذه المشكلة تقرر ان استحالة الجريمة يرجع إلى واحد من سببين هما محل الجريمة ووسيلة تنفيذها فقد ترجع الاستحالة إلى محل الجريمة وهو بالنسبة لجريمة القتل «الإنسان الحي» كما لو كان الجاني عليه قد مات قبل إطلاق الرصاص عليه أو لم يكن موجوداً في المكان الذي تصور الجاني وجوده فيه فأطلق الرصاص.لكن الاستحالة قد ترجع إلى وسيلة تنفيذ الجريمة كما لو استخدم الجاني بندقية غير صالحة للاستعمال أو أفرغت من الذخيرة دون علم الجاني أو استخدم للقتل مادة غير سامة أو سامة لكنها لا تكفي لإحداث القتل وأن مسؤولية فاعل الجريمة المستحيلة لا تثور إلا إذا كان جاهلاً وجه الاستحالة في تنفيذها لأنه لو كان يعلم بتلك الاستحالة فمعنى ذلك انتفاء القصد الجنائي والقصد الجنائي كما هو معلوم ركن من أركان القتل.
وعلى هذا الرأي سار المشرع في المادة /202/ من قانون العقوبات حيث قرر العقاب على الشروع وإن لم يكن في الإمكان بلوغ الهدف لسبب مادي يجهله الفاعل.
ومن الرجوع إلى المادة/202/ من قانون العقوبات تراها تنص على ما يلي:
1- يعاقب على الشروع وإن لم يكن في الإمكان بلوغ الهدف بسبب ظرف مادي يجهله الفاعل.
2- على أن الفاعل لا يعاقب في هذه الحالة إذا أتى فعله عن غير فهم.
3- وكذلك لا يعاقب من ارتكب فعلاً وظن خطأ أن يكون جريمة
ونرى المشرع هنا يتبنى مبدأ العقاب على الاستحالة المادية أيا كانت طبيعتها وأيا كان موضوعها في المحل أو في الوسيلة على أن الفاعل- في هذه الحالة- لا يعاقب إذا أتى فعله عن غير فهم وهو – أي المشرع- يقصد هنا الحالة التي تكون فيها استحالة وقوع الجريمة ماديا ترجع إلى كون الجاني قد استخدم وسيلة تدل على قصور عقله وسذاجة شخصيته كما قرر القانون أن الفاعل لا يعاقب إذا ارتكب فعلاً وظن أنه جريمة وتبين غير ذلك وهذه هي حالة الاستحالة القانونية ومعظم الفقهاء متفقون على التفرقة بين الاستحالة المطلقة للجريمة والاستحالة النسبية لها وتقرير العقاب على الجريمة المستحيلة استحالة نسبية على أساس أن خطر وقوع الجريمة يكون ماثلاً لم يخب إلا بمحض المصادفة.
أما الجريمة المستحيلة استحالة مطلقة فلا عقاب عليها حيث يكون خطر وقوعها منتفياً لأنه يستحيل أن تقع مهما كانت الظروف
وتكون الجريمة مستحيلة استحالة مطلقة في حالتين:
الحالة الأولى: إذا انعدم محل الجريمة أو فقد صفة أساسية فيه كما لو أطلق شخص النار على غريمه النائم بقصد قتله فإذا بغريمه كان ميتاً وجثة هامدة من قبل أن يطلق هذا الشخص النار عليه.
الحالة الثانية للجريمة المستحيلة استحالة مطلقة: فتكون إذا كانت الوسيلة المستخدمة للقتل مجردة بطبيعتها من أي صلاحية لإحداث الوفاة كما لو استخدم الجاني في جريمته مسدساً غير قابل للاستعمال على أي وجه أو استخدم في تسميم غريمه مادة السكر، ففي هاتين الحالتين تكون الجريمة مستحيلة استحالة مطلقة وبالتالي لا عقاب على فاعلها بينما تكون الجريمة مستحيلة استحالة نسبية مطلقة وبالتالي لا عقاب على فاعلها بينما تكون الجريمة مستحيلة استحالة نسبية وبالتالي تكون شروعاً معاقباً عليه في حالتين:
الحالة الأولى: حيث يكون محل الجريمة موجوداً في الكون الواقعي وأن تصادف غيابه عن المكان الذي تصور الجاني وجوده فيه.
كما أطلق النار على المكان الذي تعود غريمه النوم فيه فإذا تصور أنه غريمه وكانت وسادة وغطاء فقط على السرير ولم يكن الغريم نائماً فيه.
الحالة الثانية للجريمة المستحيلة نسبياً: هذه الحالة تظهر إذا كانت الوسيلة المستخدمة لإحداث الوفاة كمن يستخدم لتسميم غريمه مادة سلفات النحاس وهي مادة قاتلة لطبيعتها ولكنه استخدم هذه المادة بجهالة وبطريقة لا يمكن أن تنجم عنها الوفاة أو كمن يستخدم لقتل غريمه بندقية تصلح لإطلاق الرصاص مرة وتخفق في ذلك مرات.
المستشار :رشيد موعد
قاضي محكمة الجنايات سابقاً
التاريخ: الخميس 7-11-2019
الرقم: 17117