يعمد الكثير من اﻵباء إلى تعريض أطفالهم الصغار بمن فيهم «الرضع «إلى أنواع مختلفة من وسائل اﻹعلام ويضعون في متناول أياديهم الناعمة بسرورأجهزة الهاتف المحمول معتقدين عن طيب ظن ، أن تعرض اﻷطفال ، لاسيما الصغار منهم ، لا يؤذيهم ، بل ربما يسليهم من دون أن يترك أي أثر فيهم ، هذا إذا ما نظرنا للأمر بصورة ظاهرية بسيطة.
لكننا وبتفحص أعمق لهذه الظاهرة التي انتشرت على مستوى واسع في السنوات اﻷخيرة ، نرى بيسر أن ترك اﻷطفال عرضة لتلك الوسائل ، وعبثهم في أجهزة الهواتف المحمولة واﻷجهزة الكفية اﻹلكترونية المختلفة ، إنما يعني ببساطة تخلي اﻷبوين طوعا عن دورهم ، الأبوي الهام في كل مراحل نموهم وتقديم أب (ثالث) ﻷطفالهم ، لن يقوم بدورهم ومسؤولياتهم اﻷدبية والتربوية الصحيحة .
بل ما سوف يحصل هو العكس ؟ فالطفل بين هذه اﻷجهزة ، هو عرضة للتأثير غير المنضبط ، مع أجهزة وأدوات ووسائل ، غير منضبطة بالمطلق وهنا يذهب أحد الباحثين التربويين إلى أبعد من ذلك ، في سياق أبحاث قام بها ، وهو يروي كيف أصيب بالصدمة ، عندما روت له إحدى طالباته أنها عمدت بترك ابنها الرضيع (دون السبعة أشهر) ، يشاهد التلفزيون ، وهو يحمل في الوقت نفسه جهازا محمولا ، بدعوى اﻹنشغال في شؤون البيت !.
ويؤكد باحثون في هذا الشأن خطورة هذه الظاهرة ، وإلحاقها أضرارا متباينة في اﻷطفال -لا سيما الصغار والرضع- ﻷن هذه اﻷجهزة واﻷدوات الإلكترونية تضر أيما ضرر بسلامة الطفل وتكوينه وصحته النفسية ، لاسيما وأن اﻷبحاث العلمية المستمرة على هذا الصعيد ، لم تأت بدليل واحد على أي فائدة يحصل عليها الطفل جراء العبث بهذه اﻷجهزة أو تركه عرضة لها .
وتشير الدراسات أن العكس هو الذي يحدث بالفعل ، وقد ظهر التشتت وهبوط القدرة على التركيز لدى اﻷطفال الذين تركوا عرضة لهذه اﻷجهزة ،غيرها من وسائل اﻹعلام ، لاسيما التلفزيون .
ولعل هذه الظاهرة الشائكة ، تضعنا دون أدنى شك أمام احتمالات غير مرغوبة في وقوع أضرار متفاوتة الشدة على اﻷطفال الصغار جدا واﻷطفال الرضع ، نتيجة تعرضهم لتأثيرات مشاهدة التلفزيون ، أو اﻷجهزة الهاتفية النقاله ، وينبغي لﻷبوين -والحال كما أشرنا – النأي والابتعاد عن المجازفة بترك الحرية لﻷطفال الصغار جدا واﻷطفال الرضع بالتعامل مع هذه اﻷجهزة على هواهم ، دون استثناء التلفزيون من هذا التحذير الذي أطلقه مؤخرا باحثون في هذا الجانب التربوي الهام ..
وقد خلصت دراسات المسح الاجتماعي ، إلى أن أجهزة التواصل والتلفزيون ، تسهم في تحفيز اﻷطفال بطرق عبثية وغير منضبطة من جهة، كما تسهم في إلقاء الخوف والرعب في روعهم ، من أثر برامج (العنف الكوميدي) ، المنتشرة على مستوى واسع في أجهزة الهواتف المحمولة ، والتلفزيون على السواء .
وقد لاحظ العلماء التأثير المباشر والفوري على اﻷطفال الذين أدمنوا -بإهمال أبويهم- في المراحل الباكرة من أعمارهم ، على متابعة مثل هذه البرامج -لاحظوا- ميولهم الواضحة للعنف ، فيما يلي مرحلة الطفولة، كما لا حظوا ، أنه وكلما تعرض الطفل لمشاهد العنف في صغره ، كلما ازدادت احتمالات اتسامه بسلوك عنيف في وقت لاحق من عمره .
ولعل اﻷخطر من ذلك هو أن بعض اﻷطفال الذين اختزنوا في ذاكرتهم مشاهد العنف ، كانوا خائفين من أن يكبروا ، وهذا ما يسهم في تعطيل عملية النمو لديهم ، وسيرها بطريقة سليمة وصحيحة .
وما يهمنا ويعنينا في النهاية هو الجواب على أسئلة حاجة الرضيع حقا للأجهزة المحمولة ؟
ومدى حاجة اﻷطفال الصغار لهذه اﻷجهزة ؟
والحقيقة أن تربية الطفل لا ينبغي أن تكون عرضة لعبث اﻵباء واستهتارهم ، والتفريط بأبنائهم ودفعهم لمصائر غير حميدة في المراحل التالية للطفولة ، ففي التربية لا بدّ من إجراء الحسابات وإيلاء الاهتمام البالغ ، إذا ما شئنا ورغبنا بجيل سليم ومعافى .
عبد المعين زيتون
التاريخ: الخميس 7-11-2019
الرقم: 17117