بذهنية الحاقد الأرعن وبشظايا صواريخه «الغبية» التي تستهدف المدنيين الأبرياء قبل أي شيء آخر وتحت ذرائع كاذبة واهية تشبه كيانه الإرهابي المتغطرس، حاول رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي المأزوم سياسياً وأخلاقياً أن يجد فسحة تخرجه من فشله السياسي المتراكم في السنوات الماضية، عبر تكرار نغمة العدوان على سورية، ليعبّر مرة تلو المرة عن تعطشه لإراقة الدماء البريئة والهروب إلى الأمام، ربما بحرب صغيرة يظنها «مصباح علاء الدين» بغرض العودة إلى الحياة السياسية من جديد بعد أن فشل في انتخابات مبكرة مرتين في غضون أشهر قليلة.
الاعتداءات الصهيونية على سورية تكررت خلال سنوات الحرب الإرهابية مستفيدة من انشغال الجيش العربي السوري بمحاربة جحافل ومرتزقة وفلول الإرهاب التكفيري صنيعة أميركا و»إسرائيل» والقوى العميلة لهما في المنطقة، ومبررها الدائم التذرّع بمخاوف وجودية لها علاقة بما يسمى «الفزاعة» الإيرانية التي ينسج عليها حكام الخليج الكثير من حكاياتهم الجوفاء، ووجودها العسكري المزعوم في سورية، من أجل إعطاء شرعية دولية لنغمة العدوان التي أدمن عليها هذا الكيان الغاصب المحتل منذ أكثر من سبعين عاماً.
وبالعودة إلى السنوات الماضية، فقد وضع نتنياهو في سلم أولوياته جرّ الولايات المتحدة الأميركية لصدام مع إيران بذريعة ملفها النووي، وعندما فشل تحريضه المستمر في توريط البيت الأبيض بقرار من هذا النوع، عكف على توتير الأجواء الإقليمية مستنداً إلى مخاوفه المزعومة من الانتشار الإيراني المزعوم في المنطقة عموماً وفي سورية بوجه خاص، وقد جاء خطابه في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست عام 2017 معبّراً عن هذه المخاوف المزعومة، عبر القول أنه سيتصدى لما سمّاها محاولات إيران تعزيز وجودها في سورية، ومنذ ذلك الوقت ونتنياهو يحاول الاستفزاز تحت هذا العنوان من أجل جرّ المنطقة إلى حرب مع إيران وتالياً مع محور المقاومة مستفيداً من الوجود الأميركي الاحتلالي غير الشرعي في شمال شرق سورية ومن وجود رئيس صهيوني الهوى في البيت الأبيض هو دونالد ترامب.
لو تعمّقنا أكثر في الظروف التي تمرّ بها المنطقة حالياً، وخاصة من حيث توقيتها المريب وبعيداً عن المطالب المحقة التي ترفعها بعض الشرائح الاجتماعية، هناك احتجاجات شعبية في لبنان أدخلته في أزمة سياسية واقتصادية وهناك قوى معروفة بعمالتها لـ «إسرائيل» ترفع شعارات تمسّ سلاح المقاومة ــ وهو مطلب إسرائيلي أميركي قديم ــ بهدف جرها إلى حرب في الداخل تستفيد منها «إسرائيل»، وهناك احتجاجات شعبية مطلبية في العراق وإيران يطالب بعض متزعميها بفك عرى العلاقات بين مكونات محور المقاومة الممتد من طهران إلى بغداد وصولاً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت مروراً بدمشق التي كانت ولاتزال عاصمة المقاومة العربية في زمن التهافت العربي للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ومنحه الصفقة التي ينتظرها أي «صفقة القرن» التي تسهم في تصفية القضية الفلسطينية على حساب حقوق العربية.
في الداخل الإسرائيلي ثمة أزمة أو مأزق كبير يعيشه نتنياهو بسبب فشله في تشكيل ائتلاف حكومي يعيده إلى رئاسة الحكومة مجدداً، وثمة ما يؤرّقه بسبب قضايا الفساد التي تطارده حيث من المتوقع أن يجد نفسه خلف القضبان ما لم يفعل شيئاً ينقذه، ومن المعروف أن المجتمع الإسرائيلي ذي البنية المتطرفة لا يمكن توحيده سياسياً إلا عبر حرب أو عدوان، لذلك نرى نتنياهو يلجأ إلى هذه الاعتداءات من زاوية انتخابية ليقنع الناخب الإسرائيلي أنه الوحيد القادر على الدفاع عن «إسرائيل»، لأن سياسة الحرب هي من ترفع رصيد حكام كيان «إسرائيل» وتأتي بهم إلى رأس الحكومة.
في كل الأحوال يعلم نتنياهو ــ بعد تجارب كثيرة في الماضي ــ أن كيانه أضعف من أن يخوض حرباً إقليمية على مستوى المنطقة، ما لم تكن الولايات المتحدة الأميركية طرفاً فيها، وقد أثبتت تطورات الخليج في الأشهر الماضية أن واشنطن لا تريد حرباً مع إيران وإنما تحقيق مصالحها بوسائل أخرى، ما يعني وجود هوة واسعة بين طموحات نتنياهو العدوانية وطموحات حليفه ترامب الذي يعيش هو الآخر أزمة سياسية كبيرة قد تخرجه من البيت الأبيض، الأمر الذي يجعل نتنياهو يصارع أوهامه وأحلامه بمفرده خلال السنة المتبقية من ولاية ترامب، وهو ما يدفعه للاستفزاز والتوتير، مرة للتخلص من الضغط الداخلي الذي يعاني منه عبر نقله إلى الخارج كما يفعل رأس النظام التركي رجب أردوغان، وهي سياسة خَبِرها محور المقاومة جيداً وواجهها بحكمة كبيرة جعلته يحقق الكثير من الإنجازات ويُفشل الكثير من المشاريع الأميركية والصهيونية، ولن تضيف حماقات نتنياهو شيئاً إلى رصيده سوى الفشل والإخفاق وزيادة التأزم ودفع الأمور إلى حافة الهاوية عسى أن يتدخل المجتمع الدولي في مكان ما لطمأنة الكيان المأزوم وحكامه المأزومين.
زينب العيسى
التاريخ: الخميس 21 – 11-2019
رقم العدد : 17128