وزير الخارجية الأميركي ومستشار الأمن القومي سابقاً هنري كيسنجر يعلن منذ أيام أن مستقبل العالم يتوقف على العلاقات بين أميركا والصين ويحذر من صراع محتوم قادم قد تكون له نتائج كارثية حيث قال : « من دون أدنى شك إن التطور الذي أحرزته الصين يلقي بالتحديات أمام الولايات المتحدة ومن المؤكد أن البلدين يعرفان جيداً أنه لا يمكن ربح هذا الصراع بل سيكون المخرج كارثياً وسيقود إلى صراع مستمر وإذا لم يتم التوصل إلى حل فسيكون الأمر أسوأ من الحروب العالمية التي دمرت الحضارة الأوروبية ولم يعد من الممكن التفكير بأن فريقاً يمكن أن يسيطر على الآخر لذلك يجب التأقلم مع واقع أن لديهم هذا النوع من المنافسة «.
كيسنجر الذي يدعي أنه واثق بأن قادة المعسكرين يعون الرهانات والمجازفات يعرف أن التجربة التاريخية تتعارض مع هكذا نتيجة.
وتحذير كيسنجر هذا يأتي بعد قيام رئيس هيئة الأركان مارك ميلي مؤخراً بزيارة الى آسيا ووصفه أن المنطقة أولوية مطلقة بالنسبة للجيش الأميركي ضمن سياق تصاعد المنافسة بين القوى الكبرى.
في كتابه « عن الصين « الذي نشره في العام 2012 يستند كيسنجر إلى « مذكرة دبلوماسية « نشرها عام 1907 ايركرو موظف في وزارة الخارجية البريطانية وكان مكلفاً ببحث العلاقات بين بريطانيا وألمانيا حيث يختم فيها كرو أنه أياً كانت نوايا القادة الألمان فإن الاندفاع الاقتصادي لألمانيا جعل الصراع محتماً وفعلاً اندلع بعد سبع سنوات تماماً من نشر المذكرة ويذكر كيسنجر هذه التجربة في كتابه للتحذير من توجه العلاقات الصينية الأميركية الذاهبة في نفس الاتجاه ومع النتيجة ذاتها ذلك أن التوترات لا تتوقف عن التصاعد منذ إدارة أوباما حيث كان يتسع الرأي في أوساط الاستخبارات العسكرية والسياسية بأن صعود قوة الصين يشكل تهديداً وجودياً على الهيمنة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة وهكذا فإن تحريض إدارة ترامب للحرب والتصعيد لحرب اقتصادية ضد بكين هي مصطلحات القوة التي تنبعث من دعائم الدولة الأميركية ذاتها.
كيسنجر يمثل الفئة التي تعتبر مصالح السياسة الخارجية الأميركية كأفضل خدمة عبر الاشتباك مع الصين وقد تم التوجه إلى ذلك بدءاً من أعوام 1970 في محاولة للتعاون ضد الاتحاد السوفيتي السابق وقد استمر هذا الالتزام خلال أعوام التسعينات وتعمق على قاعدة الانفتاح على موارد اليد العاملة بكلفة زهيدة للصين التي عادت بفوائد هائلة على الرأسمالية الأميركية وهذا ما قاد إلى تهيئة الصين للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية عبر إدارة كلينتون ثم في ظل إدارة بوش الابن وقد تم ذلك انطلاقاً من مبدأ أن توسع رأسمالية « السوق الحر» إلى الصين واندماجها في السوق الرأسمالي العالمي تحت هيمنة الولايات المتحدة سيقود إلى بزوغ نظام صيني مستعد للخضوع إلى المصالح الأميركية لكن في السنوات الأخيرة ومع وصول الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى قيادة الصين فإن التوجه الاستراتيجي للولايات المتحدة عرف تغيراً أساسياً فالالتزام تم استبداله بما سمته صحيفة ول ستريت جورنال في عنوان مقال نشرته هذا الشهر « الصراع الكبير مع الصين « آخذين بعين الاعتبار تطور السياسة الأميركية ويذكر المقال أن الأمل منذ زمن طويل كان أن تصبح الصين فاعلاً مسؤولاً في النظام الدولي.
لكن تطوير برنامج « صنع في الصين 2025 « في ظل الرئيس تشي جين والذي يهدف إلى النهوض بالاقتصاد الصيني والدفع بالقطاع التكنولوجي إلى الأعلى سبب تغييراً جوهرياً في التوجه الاستراتيجي الأميركي حيث اعتبر هذا التطور بمثابة تهديد وجودي للأمن القومي الأميركي أي بالنسبة لهيمنته الاقتصادية والعسكرية وأنه على الولايات المتحدة أن تحترس بجميع الوسائل الممكنة : حروب «التعرفة « و التصدي لشركات التكنولوجيا الصينية مثل هاواي وإذا اقتضى الأمر فالقوة العسكرية.
إنه التوجه الأميركي الجديد المدعوم من جميع قطاعات المؤسسة السياسية والأمر كذلك بالنسبة للديمقراطيين فهم أكثر عدوانية من ترامب اتجاه الصين وقد تم الكشف عن هذا التوجه في تعليقات ماك بومبيو التي نشرتها صحيفة وول ستريت حيث قال:» القادة الصينيون ينتمون إلى نظام يتجه نحو مواجهة الهيمنة العالمية «.
إن تحذيرات كيسنجر تشير إلى محاذير كبرى للحرب مع أمله بأن هذا التهديد يمكن إبعاده ودعوته إلى قبول المنافسة والخصم كوقاية من الخطر المتنامي هو أيضاً لا معنى له ففي الواقع أن الرأي المسيطر في دوائر القيادة الأميركية والذي يقوم منذ أكثر من ثلاثة عقود على نتاج العولمة يرى أنه إذا تمت المنافسة فإن وضع الإمبريالية الأميركية سيضعف لذلك من الضروري التحرك عاجلاً أم آجلاً.
موقع فالمية
ترجمة مها محفوض محمد
التاريخ: الجمعة 22-11-2019
الرقم: 17129