مقاربات الحد الفاصل …

ثورة أون لاين – علي قاسم: يتشعّب الحديث ويكثر الجدل هذه الأيام إلى حدود تشوّش على المشهد أحياناً، بعضه متعمّد لاشك، وبعضه الآخر وليد مستجدّات فرضت نفسها على النقاش وأجوائه وباتت جزءاً لا يتجزأ منه خصوصاً حين تشكل في وضعها النهائي خارطة أضاعت بعض إحداثياتها.‏ هذه الحالة لا يمكن إنكارها.. ولا تجاهل المسار الذي تأخذه وسط ازدحام في التفسيرات والتأويلات عمّا جرى وما يجري.. وفي ظل تكهنات تبدو في أغلبيتها مغالية بالاتجاهين، سواء تلك التي تتحدّث عن محدودية التأثير أم تلك التي تشير إلى جذريته.‏ لذلك، فإن ثورة آذار التي تحلّ علينا ذكراها اليوم تبدو موضعاً مفصلياً في آليات التعامل، ليس لأنها كانت المحرك الجوهري لمختلف التطورات التي أعقبتها فحسب، بل أيضاً انطلاقاً من المتغيرات الكبيرة التي شهدتها العقود الماضية، وتحدياتها الممتدة على خطوط الطول والعرض.‏ والواضح، أن ثمة من دفع بالرهان خصوصاً بعد نفاذ الدستور الجديد إلى أبعد من ذلك وترقّب كثيراً وربما طويلاً التعديلات القادمة التي ستأخذ الحيّز الأكبر من الجدل وحتى النقاش على قاعدة الافتراض بأن الدخول في هذه المتاهات يمكن أن يزيد من الضبابية.‏ في العناوين نعتقد أن المؤشر الأهم في سياق البحث عن قراءة موضوعية لكل هذه التجاذبات الافتراضية غالباً، هو موقف الطيف الأوسع من السوريين، الذين حسموا خياراتهم في الحفاظ على مكتسبات شكّلت النقلة النوعية الأهم، في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وانعكست على الجوانب الأخرى، وهو ما برز في الموقف من الدستور الجديد وما يمثّله من صيانة حقيقية لهذه المكتسبات والتأكيد عليها.‏

وهذا يقود على الأقل إلى الاستنتاج بأن الروح التي حكمت معطيات العقود الماضية لا تزال هي التي ترسم خطّ هذا التفاعل وتوجّهه ليكون ترجمة حقيقية لرؤية تحاكي الواقع بكل ما فيه، وبكل ما أضيف إليه، بل ما تراكم بسلبياته الكثيرة لكن أيضاً بإيجابياته.‏

فالمعضلة على الأغلب، في قراءة تلك العناوين تتمحور حول الرؤية المجتزأة التي لا تريد إلا النصف الذي يتوافق مع أمانيها ورغباتها وتكاد تنفي وجود النصف الآخر، وأحياناً تبتعد في نفيها إلى حدود إقصائية لا نعتقد أنها تفيد في هذه الضفة ولا في تلك المقابلة لها، ما خلق حالة من الالتباس كان بعضها على الأقل مفتعلاً، وإن كان الجزء الآخر ناتجاً عن تراكمات موضوعية فرضتها المستجدّات.‏

أما في التفاصيل، فالإغراق في شرح التداعيات وما تحمله من متغيرات، ومحاولة استنباط تفسيرات متباينة وأحياناً متناقضة، فعلت فعلها في تعميم حالة الضبابية التي ذهبت مذاهب شتى وأحدثت افتراقاً حاولت بعض الأصوات أن تمليه عند أول اختبار حقيقي، ومارست الجزئيات المفترضة عاملاً محرضاً ساهم إلى حد بعيد في الايحاء بذلك الانفصال والابتعاد بين المكونات التي يقتضي المنطق أن تكون متقاربة بل ومتجاورة.‏

بهذا المعيار، أخذ النقاش يندفع من مفترق ثنائي أو ثلاثي إلى مفارق متعدّدة لا تحكمها ضوابط موحّدة، وتبتعد عن وحدة ناظمة لها أو قاعدة واحدة للضبط، فتشظّت الصورة إلى مكوّنات وجزئيات غير مترابطة، لا يخفى على أحد أهدافها وغاياتها في هذه المرحلة.‏

لذلك، ربما كان الأهم الذي يجب التوقّف عنده، بعد قرابة عقود خمسة، هو إعادة النظر في المعيار، بمعنى أن يكون هناك ترابط قطعيّ في قياس تلك التشظيات وتنظيم حساباتها وفق هذا المعطى.‏

اللافت، أن المسألة أريد لها أن تأخذ مساراً معاكساً وأن تكون جزءاً من التحولات التي تفترض التناقض، وجاءت المستجدّات لتضفي أهمية استثنائية وخصوصاً التي تناولت دور حزب البعث وهو يقف على أعتاب مؤتمر قطري لا أحد يجادل في أنه سيكون – ربما – الأهم في حياة الحزب، وبالتالي من المنطقي أن يستحوذ الحديث على اهتمام بالغ في كل الجزئيات المتعلقة به، وليس فقط في عناوين المرحلة واتجاهاتها المستقبلية.‏

ما هو محسوم، منذ البداية، أن المكتسبات التي يتقاسمها أغلبية السوريين يجب أن تشكل الإطار الجامع لخياراتهم وهي تتلاقى بالضرورة مع التحولات التي تشهدها، بل تتيح فرصة حقيقية لإعادة تشكيل هذه الخيارات وفق معطيات الواقع، مع الخلاص من تراكمات في النص والتشريع والدور والوظيفة والمهمة لم تكن إضافاتها كافية لشرعنة ما يبرز، وهذا يكرّس حقيقة أن السوريين الذين ينظر بعضهم بعين الاستفسار وأحياناً التساؤل المشروع عن الاتجاه والتوجّهات القادمة لابد أن يلحظ أن مفصلية اللحظة تملي قدراً كبيراً من تحمل المسؤولية التي نحتاجها قبل أي شيء آخر.. وأهم ما في البعث أنه تصدّى في الماضي لمسؤوليات كبيرة ونجح في اختباراتها وهو مؤهّل اليوم أيضاً لمسؤوليات ربما كانت أكثر اتساعاً وعمقاً ليس على المستوى السياسي فحسب، بل أيضاً على المستوى الاجتماعي بأبعاده الاقتصادية والثقافية وحتى التنظيمية داخل المجتمع السوري بتدرج ألوان الطيف السياسي فيه وبتعدّد مستوياته..‏

a-k-67@maktoob.com

 

 

المصدر: جريدة الثورة

آخر الأخبار
بالتعاون  مع "  NRC".. "تربية" حلب تنهي تأهيل مدرسة سليمان الخاطر مزايا متعددة لاتفاقية التعاون بين المركز القطري للصحافة ونادي الإعلاميين السوريين تعزيز التعاون السوري – الياباني في مجالات الإنذار المبكر وإدارة الكوارث   تطبيق السعر المعلن  تطبيقه يتطلب مشاركة التجار على مدى يومين ...دورة "مهارات النشر العالمي" في جامعة اللاذقية مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن لرفع العقوبات عن الرئيس الشرع في “60 دقيقة.. الشرع يقدّم نموذج القيادة السورية: صراحة في المضمون وحنكة في الرد إعادة الممتلكات المصادرة  لأصحابها تعيد الثقة بين الحكومة والمواطنين افتتاح مشروع لرعاية أطفال التوحد ومتلازمة داون بمعرة مصرين "تموين حلب" تبحث ملفات خدمية مشتركة مع "آفاد" التركية من دمشق إلى أنقرة... طريق جديد للتعاون مشاركة سورية في حدث تكنولوجي عالمي بعد غياب لسنوات إعلام بريطاني: خطة ترامب هشة وكل شيء اختفى في غزة جائزة نوبل للسلام.. من السلام إلى الهيمنة السياسية هل يستطيع ترامب إحياء نظام مراقبة الأسلحة الاستراتيجية؟ منطقة تجارية حرة.. مباحثات لتعزيز التعاون التجاري بين سوريا وتركيا التنسيق السوري التركي.. ضرورة استراتيجية لمواجهة مشاريع التقسيم الإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين في إطار تنفيذ اتفاق غزة بين دمشق وبرلين.. ملف ترحيل اللاجئين يعود إلى الواجهة الخارجية تفعّل خطتها لتطوير المكاتب القنصلية وتحسين الخدمة للمواطنين