الملحق الثقافي-ديانا باكير:
«معركة إسرائيل المستقبلية قد تبدأ بهجومٍ إلكتروني».. ستة سنوات مضتْ على ما قاله «بيني غانتر»؛ رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، لعلَّ فكره ورفاقه لن يهدأ أبداً في كيان الاحتلال الذي يخوض معركة رصاصها عابر للحدود، يخترق مواقع إلكترونية ليقضي على أنظمة رقمية حسّاسة ورموز سيادية.. حربٌ تدور رحاها بين الفضاء والخفاء.. وما خفي كان أعظم..!!
«حرب السايبر»، ظهرت أواخر التسعينيات، ساحتها القتالية الفضاء الذي يضم الشبكات المحوسبة، ومنظومات الاتصال والمعلومات وأنظمة التحكم عن بُعد، دون استخدام رصاصة واحدة؛ فسلاحها أدمغة فعّالة والمهاجم فيها برمجيون قراصنة، أما ضحاياها فنظم رقمية، ويتشكل كيانها بوجود ثلاثة مركبات أساسية تضم: الأجهزة «Hardware»، والبرمجيات الرقمية «Software»، والعامل البشري من مبرمجين ومستخدمين. وتختلف استخدامات السايبر وأشكالها من دولةٍ إلى أخرى تبعاً لأولويات هذه الدول التي تتعامل معها على أنَّها فضاء سياسي وعسكريّ، يمكن من خلاله التأثير على دولٍ أخرى، فتدور بعض المعارك العابرة للحدود الجغرافية عبر القنوات الإلكترونية المعروفة؛ منها شبكة الإنترنت، وشبكة نظم معلومات الدفاع (DISN) عالية السرية المستخدمة من قبل وزارة الدفاع الأمريكية.
لقد قرر المقاوم العربي خوض غمار هذه الحرب، فأربك المحتل وحطّم آماله، ما جعل كيان الاحتلال يعد السلاح لهذه الحرب الإلكترونية كما وصفها عام 2000م، فاحتلت أسلحة السايبر المرتبة الثالثة في تصنيف التهديدات التي تمثل خطراً على وجوده، فلا فرق عنده إذا كانت هذه الحرب رقمنة صراع أو صراع رقمنة؛ فالعدو يتلقى –إلكترونياً- ضرباتٍ بنَفَسٍ بالكاد يبقيه على قيد الحياة رغم تطور أسلحته التكنولوجية، وهو ما دفعه لاستمرار تحصين مواقعه الرقمية، من خلال التخطيط لإقامة قبة حديدية إلكترونية تضمّ «مقاتلين تقنيين»؛ بهدف حماية مراكز المعلومات الأمنية التي لا تزال حتى اليوم تتعرض لهجمات تشلّ أطرافها من كلِّ حدبٍ وصوب، وتهدد حكومة الاحتلال؛ إذ إنَّ تشغيل مرافق بناها التحتية ومؤسساتها العسكرية والمدنية الحسّاسة مرتبطة بالتقنيات الإلكترونية المتقدمة، وهو ما أشار إليه الصحفي أيمن الرفاتي؛ المختص في شؤون الاحتلال. فكل شيء في كيان الاحتلال يدار بواسطة الشبكات المحوسبة؛ فمثلاً لا يربط حكومة العدو اتفاقيات تبادل للطاقة الكهربائية مع أي بلد مجاور لها، إنما تعتمد شبكتها الكهربائية على مصدر واحد هو «شركة كهرباء إسرائيل»، الأمر الذي يجعل شبكتها عرضةً للهجوم والاختراق الرقمي الذي يستهدف بشكلٍ مباشر مرافقها الاستراتيجية، وهيئات القيادة وشبكات التحكم العسكرية، والأقمار الصناعية.
تحصينات العدو المحتل التي نفذها -ولا يزال يخطط لجديدٍ منها-، لم تحمه من أدمغةٍ أشارت للهدف فأصابته بدقةٍ، واعتراف «أوفري آفي»؛ رئيس قسم المواقع الإلكترونية التابع لحكومة الاحتلال، يؤكد أنَّ مواقعهم تتعرض يومياً لمئات -وربما آلاف- الهجمات الإلكترونية؛ التي من أبرزها هجوم لمجموعة أنونيموس عام 2012م، فقد كشفت صحيفة «يديعوت أحرنوت» أنَّ مجموعة من قراصنة شبكة الإنترنت -مناصرة لكفاح الفلسطينيين ضد الكيان المحتل-، اخترقت المواقع الإلكترونية لبورصة الاحتلال، وشركة «إلعال» للطيران، وشركة «دان» للمواصلات، وعدة مصارف كبرى، وتسببت بوقفها عن العمل فترة من الزمن.
وفي عام 2013م، تمّت عملية ضخمة أُطلق عليها opIsrael؛ ردّاً على جرائم الاحتلال وانتهاكاته؛ إذ تمكّنت مجموعة من القراصنة المقاومين العرب من استهداف مواقع رقمية لبنوك، وتدمير عشرات آلاف من حسابات كيان الاحتلال على مواقع التواصل الاجتماعي قُدرت بـ40 ألف صفحة، وقد تم اختراق مواقع أمنية حسّاسة من بينها موقع وزارة الحرب الصهيونية، إضافةً إلى مواقع كل من رئاسة الوزراء ووزارة التجارة والصناعة، ومواقع كل من بورصة الاحتلال، وشؤون المحاكم التابعة لما تسمى «وزارة العدل الإسرائيلية»، كما نُشرت وثائق سرية تتضمن أسماء عملاء مجندين لصالح الموساد، وبيانات عن ضباط صهاينة ومستوطنين على مواقع الإنترنت، وبيانات وزارة التجارة والصناعة، وشرطة «تل أبيب».
وفي عام 2014م، جاء في صحيفة «نيويورك تايمز» تصريح لـ»أفيف راف»؛ مدير التقنية التنفيذي لشركة «سكيوليرت الإسرائيلية» -إحدى أفضل شركات العالم تطوراً في مجال الحماية الإلكترونية-، يكشف عن اختراق 15 حاسوباً مركزياً، منهم حاسوب مراقبة الفلسطينيين في الضفة الغربية.
وفي عام 2015م -عام المحرقة الإلكترونية-، ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» أن مجموعة أنونيموس أسقطت عشرات مواقع تابعة للاحتلال في الإنترنت، بما في ذلك مواقع لـ»الكنيست»، ومواقع لوزارة التعليم، والبوابة الحكومية الإلكترونية للاحتلال.
وفي عام 2016م، ساد شعار «اليوم خلف الشاشات وغداً بالرشاشات» عدداً من مواقع الاحتلال بعد موجةٍ جديدة من القرصنة الإلكترونية؛ إذ كشفت صحافة الاحتلال عن سقوط أكثر من 55 موقعاً مهماً للاحتلال؛ بسبب هجمات القراصنة المقاومين؛ منها: مواقع وزارة الاقتصاد، وجيش الاحتلال، والمتحدث باسم الجيش، ووزارة الأمن العام، ووزارة الشؤون الخارجية.
وفي ذلك الفضاء خاضت المقاومة الفلسطينية غمار الحرب الإلكترونية خلال السنوات القليلة الماضية، وغرّدت منفصلةً لمواجهة العدو الغاصب، ضمن أسلوب جديد يرهب الاحتلال، ويلحق الضرر بأنظمته الرقمية، من خلال بثِّ رسائل دعائية للمجتمع الصهيوني أو الحصول على معلومات سرية حسّاسة لاستغلالها في تهديد أمن الاحتلال، وفعلت المقاومة حقاً؛ فالإنترنت بالنسبة إلى الفلسطيني ليس مجرد أداة لتجاوز الحدود المادية، بل للنضال من أجل الهيمنة بالسيطرة على الأفكار والنظم الرقمية؛ فهناك النضال البرمجي الذي يعمل على تهكير/ تشويه مواقع العدو الإلكترونية؛ لإيصال الحقيقة إلى الجمهور الذي لا يعرفها، مما يؤدي إلى خلق فضاءات جديدة للمقاومة؛ باستخدام مساحات الاحتلال نفسه وأدواته ذاتها؛ إذ شكّلت المقاومة الفلسطينية الإلكترونية صدمةً لدى حكومة الاحتلال، لا سيما أنَّ أي نجاح عسكريّ لا يمكن أن يكون فاعلاً إلا إذا ترافق مع استخبارات عسكرية تكشف المواقع التي يمكن الوصول إليها، وهو ما يزيد من خشية الاحتلال الحالية من اختراق مواقع وزارة الحرب الصهيونية التي تشير إلى مواقع الصواريخ، ومعلومات عن صناعة الطائرات دون طيار؛ وهو بدوره ينعكس سلباً على ثقة المستوطن بقيادته.
ومن أبرز الفرق السايبرانية الفلسطينية: فريق هاكر غزة عام 2007م، وأمن غزة عام 2008م، وفريق KDMS عام 2013م، تلك المقاومة الإلكترونية التي أخذت من منظومتها محدودية الإمكانيات لتطلق العنان لأدمغةٍ نهضت فوق أرض فلسطين، وتغذت من هوائها وترابها، فعانقت الفضاء الرقمي؛ وهاجمت العدو المحتل إلكترونياً؛ ففي عام 2008م اخترق فريق هاكر غزة «حزب كاديما» الصهيوني، وحواسيب شرطة العدو عام 2012م، كذلك نجحت المقاومة الفلسطينية الإلكترونية خلال عدوان 2014م، باختراق قنوات تلفزيونية صهيونية؛ من بينها القناتان العاشرة والثانية، وبثّت عبرها رسائل تحذيرية للمجتمع الصهيوني، وفي عام 2017م استطاعت اختراق المئات من أجهزة الاتصالات الخلوية للجنود الصهاينة، والتنصّت على مكالماتهم ورسائلهم وقرصنة معلومات سرية. كما تهدف المقاومة الإلكترونية –بمختلف الفرق والتشكيلات الرقمية- إلى إلحاق ضرر اقتصادي بالعدو؛ كون عمليات اختراق المواقع وتدميرها تكلّف مبالغ مرتفعة لتأمين تلك المواقع وسد الثغرات؛ كما حدث في اختراق قراصنة مقاومين كاميرات مراقبة لنفق في حيفا عام 2013م، ما أدى إلى إغلاقه مدة يومين، والتسبب بخسائر قُدّرت بمئات آلاف الدولارات.
«الرسالة الآن أصبحت واضحة.. لقد وصلنا إلى تل أبيب بصواريخ المقاومة والآن نصلكم إلى منازلكم.. ستُهزمون».. بهذه العبارة وجّه جيش فلسطين الإلكتروني تهديده لكيان الاحتلال، إشارةً منه إلى أنَّه مهما تعددت أشكال المقاومة، يبقى الهدف واضحاً وهو تحرير أرض فلسطين، فلا تهمُّ الأسلحة ما إذا كانت على أرض القتال أو في سماء الفضاء، بل هي قضية اعتنقها صاحب الحقِّ الفلسطيني.. فأبدع في المقاومة، غير آبهٍ ما إذا كان يحمل حجراً أو يقود عالماً إلكترونياً واسعاً.
التاريخ: الثلاثاء24-12-2019
رقم العدد : 979