الملحق الثقافي- حاتم حميد محسن:
أصبحت العولمة واقعاً حتمياً، في الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا والأعمال وكل جوانب الحياة الحديثة الأخرى. الطريقة التي نتفاعل بها مع العالم قد توسعت وتسارعت بفضل التقدم الاقتصادي والتكنولوجي الذي سهّل من إمكانية وجود شبكة بهذا الحجم. قبل ثورة المعلومات التكنولوجية، اتخذت العولمة في الأساس وظيفة اقتصادية. لكن ما حدث لاحقاً فتح الباب أمام التأثيرات السياسية والثقافية، فتغيرت الأهداف الأولى في المساهمة بالتنمية العالمية من خلال التجارة الحرة وتبادل المعلومات، وأصبحت العولمة حالياً تؤثر بفهمنا للجماعة واستبدلته بفهم آخر يطمس إحساسنا بالهوية القومية والمسؤولية المدنية.
هناك آثار اجتماعية وسياسية جديدة لهذا المشروع الذي بدأ يزداد في حجمه وتأثيره منذ بداية القرن العشرين. في (الثورة الإدارية) لجيمس بونهام James Buonham 1940، لاحظ أنه «في التاريخ الإنساني، عادة يحدث التغيير بسرعة كبيرة وعنف شديد لدرجة أن الإطار ذاته يتحطم ليحل محله إطار جديد». بونهام اعتقد أيضاً أن سرعة التغير التكنولوجي في القرن العشرين كانت شديدة بحيث غيرت طريقة الحياة لتصبح شيئاً مختلفاً كلياً في النوع وليس في الدرجة. هذا الميل كان له صداه عبر القارة. في «تمرد الجماهير، 1929» كتب الفيلسوف الإسباني أورتيغا بأن حضارة القرن العشرين يمكن تلخيصها ببُعدين: الديمقراطية الليبرالية و»التقنية» technicism وهما نتيجة للاتحاد بين الرأسمالية والتصنيع والعلوم التجريبية. لكن هذين البعدين كانا يندمجان وبطريقة صاغا بها رؤية جديدة لمستقبل العالم.
الإنسان الواسع
أطلق أورتيغا على الإنسان في المجتمع الحديث بـ «الإنسان الواسع» mass man حيث الإنسان الشاب المقتنع بذاته، الذي من خلال تأثيره السياسي وثروته، كان يقلّص فرديته إلى هوية جمعية، حيث المساواة والتجانس في المجتمع الأوربي. نحن نستطيع أن نتعلم من هذين المفكرين أن التكنوقراط والسياسيين العالميين cosmopolitan يناصرون العولمة لنفس الأسباب التي أشار لها بونهام وأورتيغا في كتابيهما وهي أسباب تتعلق بالتأثير السياسي، المكاسب الاقتصادية، والخداع الطوباوي. هنا، نضيف حافزاً آخر: الاحترام المنسي أو المُتجاهل عمداً للحياة المدنية. وبالتالي، لم يعد صحيحاً بأن العولمة تساهم في تطوير الجالية وبناء الأمة محلياً أو دولياً، لأنها وبدهاء تُضعف رغبة الناس بالمشاركة في شؤونهم المدنية. الفيلسوف السياسي ميشيل ساندل يؤكد بطريقة مشابهة: نحن كنا مجتمع بنظام سوق، جئنا لمجتمع سوق. بيئتنا تصبح أكثر استهلاكية ليست فقط بالمعنى المادي (رغم انه الجزء الأكبر)، نحن بنفس المقدار نتعامل بمبادئنا السياسية والأخلاقية في السوق العالمي، نبيعها للخارج ولكن ليس في الوطن.
وإذا كنا منصفين، لابد من القول إن نظام السوق والأخلاق فيهما شكل من الخيرية المتأصلة التي تجعلهما مناسبين لأكثر المجتمعات في العالم الحر كأساس لليبرالية التي أنشأت العولمة. لكننا لا نفهم الخيرية المتأصلة في فكرة معينة ما لم نتعلمها من التجربة. العولمة تساعدنا في نسيان هذا الخوف. شيء واحد نتعلمه هو كيف نصنع صندوقاً ثم نبيعه لأجزاء أخرى من العالم. في وقت ما سيذهب أولئك الناس الذين يعرفون المهنة. لكننا أصبحنا الوارثين للمشاريع المملوكة للعوائل التي تجاهلت قيمة الصناعة المحكمة التي بنت ثرواتنا في المقام الأول. لكن مع ذلك، لابد من المتاجرة. في هذا الصندوق المغلف تكمن الديمقراطية الليبرالية. ضمن مشروع العولمة، لانزال نرى آثار الليبرالية كما تُمارس في قيمها الإنسانية. المشجعون للعولمة يعرّفونها دائما بالإشارة إلى فكرة الارتباط مع الآخرين والمساهمة في التقدم الإنساني. لكن هذا الإيثار قد ينقلب في الاتجاه المعاكس: نحن مجبرون أكثر هذه الأيام للارتباط مع الآخر البعيد الذي نظن أنه أكثر شبهاً بنا من جيراننا المعروفين. نحن نظن أننا نعرف جيراننا بسبب معرفتنا بمنْ صوّت لهم، الديانة التي يعتنقها، من أين جاء، إلخ. من جهة أخرى، نحن نشعر مرتبطين مع الآخر البعيد لأننا نبني فكرة عنه تنسجم مع مُثلنا التي لا نستطيع اختبارها بالتجربة في التعامل مع هذا الفرد كزملائنا المواطنين. وهنا تكمن المشكلة.
إن التركيز المفرط على التقدم العولمي ربما يساهم في نمو حالة عدم الاستقرار الوطني في الديمقراطية الليبرالية في العالم. عندما يصبح الناس أكثر انقساماً على طول الخطوط السياسية محلياً، سيصبحون أكثر ارتباطاً في النطاق العالمي لنفس هذه الأسباب. فمثلاً، التقدميون يحترمون الارتباطات الذي تخلقها العولمة وهو ما يرفع من ضميرنا العالمي بالاستفادة من ثقافتنا الرقمية ليجعلنا أقرب إلى الأجنبي، مع ذلك، هم يلومون الوزن الاقتصادي الذي تضيفه العولمة إلى الرأسمالية والوزن السياسي الذي تضيفه إلى الليبرالية الغربية كأحسن نظام لتحقيق هذه الغايات الإنسانية. مناصرو السوق الحر يمدحون العولمة بسبب التقدم الاقتصادي الذي جلبته لكل المجتمعات في العالم من خلال خلق الثروة، الابتكار، التجارة، لكن على المستوى الاجتماعي، المحافظون قلقون من أن تأكيدها على السوق العالمي والربح يتجاهل القضايا الأكثر أهمية، مثل، الجالية، المحلية، الوطنية. كلا الفريقين أيضاً يستجوبان أخلاقية نظام السوق العالمي، اليسار يدّعون بأنه يفقر العمال بجعلهم مربوطين بأجور قليلة وخاضعين لمدرائهم، واليمين يدّعون بأنه يحط من القيم الأخلاقية للمجتمع الذي من خلاله تتأسس وتنمو مواطنة صحية.
مهما كانت وجهة النظر التي نؤمن بها، من الإنصاف القول إنه من خلال الفعل ودخول السوق العابر للأفكار والسلع، فإن الدول تجد نفسها متغيرة اجتماعياً. نحن نضع أنفسنا بجانب الدول التي تنسجم مشاكلها السياسية مع وجهة نظرنا. نحن نتجاهل الاختلافات الثقافية والتاريخية البسيطة التي تجعل قضايا كل أمة متفردة. أما وطنياً، فإن التأثير أكثر خبثاً. وكنتيجة لما نرى في الخارج، نحن نفترض الناس داخل دولنا يقعون ضمن فئتين إما صحيح أو خطأ: إذا كنت لا تحب بريكست، فأنت اذاً لا تحب المحافظين، وأنت تعرف جيرانك هم جمهوريون، ولذلك، المحافظون في الولايات المتحدة يجب أن يتقاسموا بعض العيوب الفكرية حول بريكست. من المحتمل التوقف عن البحث عن مساعدة ونصيحة الناس ضمن جاليتنا، وبدلاً من ذلك نختار أفضل وجهات النظر حول العالم الذي يؤيد وجهة نظرنا.
حالياً لدينا خيار الابتعاد عن جيراننا رقمياً من خلال تلفوناتنا وكل الوسائط الإلكترونية الأخرى. إبقاء هذا الانفصال من خلال العولمة كما كنا نعمل لسنوات، سيجعلنا بالتأكيد نصل اليوم الذي لا تعني فيه الهوية والمواطنة أي شيء إذا لم يجددا صلاحية معتقداتنا. حماية المدنية هي أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى. نحن يجب أن نحذر من الجدال لأجل العولمة المدمرة للديمقراطية الليبرالية على المستوى القومي. في هذه الحالة، يكون الفهم التقدمي للعولمة هي أنها تناصر المُثل العالمية التي تتصرف بعدوانية تجاه الدولة القومية وأنها تثبط نظام السوق الذي هو أكثر ملائمة للكفاءة الذاتية والاستقلال الضروريين للبلد. انتقاد العولمة الشديد لا يعني المحافظة على الوضع القائم، خاصة في مناخنا الحالي الذي وضع الليبرالية في أزمة. نحن نستطيع زيارة لوك أو اللجوء إلى توكفيل، لكن جزءاً من الأجوبة والحلول لمأزقنا السوسيوسياسي بحاجة لتُدرس من خلال الظاهرة الحالية هذه.
ديفيد هيلد
المنظّر السياسي والباحث في العلاقات الدولية ديفيد هيلد، كتب بأن رغبة العولمة بتطوير النماذج التقليدية للتنظيم السوسيواقتصادي هي قوة كبيرة تشكل تحدياً مباشراً للدولة الحديثة عبر تحدّي المبادئ التي تجبر المواطنين للمشاركة في المهمة الجمعية في الحفاظ على الدولة. تفضيل المواطنين على الأمم الأجنبية هو غير أخلاقي. قيل لنا إن الحدود القومية تعيق التدفق الحر للبضائع والعمل التي تحتاجه كل الدول لتنمية ثرواتها. هدف التجارة وسياسات الهجرة يجب ألا يكون لمصلحة أي بلد معين، وإنما للجنس البشري ككل. هذه المعارضات هي معقولة بما يكفي لذاتها. ولكن بالنسبة إلى السوق العالمي لكي يحقق هذه الأهداف عالمياً يعني أنه يحتاج لإذابة الولاء للأمة، وبهذا يزيل أي معنى للهوية المدنية بين الدول رغم اختلاف تاريخها وتقاليدها وثقافتها.
العولمة هي مشروع يسعى ويتطلب مستوىً كبيراً من التجانس الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، أي بكلمة أخرى، تجانس ثقافي لكي يمكن للعولمة التنظيم بين الأمم. من بين الأسئلة المهمة حول الموضوع أثيرت من جانب كينيث مينغو Kenneth Minogue، المشكك بالعولمة، هو كان مهتماً بالآثار السياسية والاجتماعية للسوق العالمي، لأنه اعتقد أن الجانب الاقتصادي للعولمة كان يساهم في تآكل الهوية المدنية أكثر من أي شيء آخر. شعبية السوق العالمي ربحت النصر للعولمة، حسبما يرى، وأنها وجّهت صفعة ثقيلة للفلاسفة السياسيين في التقاليد الليبرالية عندما أظهرت أن توق الإنسان الداخلي للحرية والإنجاز الذاتي يمكن إشباعه بسهولة باستهلاكية مجتمع السوق العابر. هذه العولمة نجحت بكونها أصبحت متغلغلة في حياتنا لدرجة جعلت مينوغو يتساءل ما إذا كانت قوانين الاقتصاد تقرر التجانس الظاهر في حياة الإنسان. هو لم يجب أبداً على هذا السؤال بشكل محدد وإنما استنتج بأن الاعتقاد بعالمية العولمة كان وهماً اقتصادياً يمكنه وبشكل خطير أن يخدع المجتمع حول «ديناميكية العالم الحديث».
عولمة المدن وانهيار الثقافة
لايزال العالم الحديث، لم يأت للوجود بعد في عدة أجزاء من دولنا. في عدة أماكن، خلق تأثير العولمة فقط مظهراً للتحديث تنفذ فيه مشروعها، وأنه جرى تجاهل مسؤوليته عن عدم الاستقرار الاجتماعي ومن ثم السياسي الحاصل الآن في الديمقراطيات الليبرالية. أهم حدث معاصر الآن هو التحول المستمر «للمدن العالمية» global cities. إن الطريقة التي تلتقي بها الثروة والتكنولوجيا في المدن العالمية اليوم وسّع الفجوة الثقافية بين المدن الصغيرة ونظرائها من المدن العالمية. هذه القدور من الحب غير المقدس «حسب تعبير أوغسطين» تشترك بالمسؤولية عن عدم استقرارنا العالمي.
المدن تؤثر على الثقافة، وعندما تُعولم المدن تصبح مراكز خالية من الثقافة بسبب الاندماج في التعدديات الثقافية. كل المدن المعولمة في العالم هي متشابهة ثقافياً مع بعضها أكثر مما في الأماكن الأخرى ضمن الوطن ذاته. هذا النقص في الثقافة المحلية في المدن يقابله تمسك ثقافي حيث لايزال المقيمون في عدة أجزاء يقيّمون ويمارسون شكلاً من الهوية القومية والوطنية التي تقود حياتهم. العديد من الناس الذين يعيشون في الأماكن الهامشية التي هي خارج اهتمام العالم تكون العولمة إما وهماً أو منافساً يتحدى سبل عيشهم. إنها تبدو اشبه بتفاهة لكن اتساع الانقسام بين العالمي والقومي، العالمي والمحلي، يمكن إصلاحه بإعادة التأكيد على الجالية. ولكن في عدة أماكن، بدا التركيز على إصلاح هذه المشكلة الاجتماعية صعباً في ضوء الحقائق الاقتصادية الملحة. توتراتنا السوسيوسياسية تتصاعد لأن الصعوبات الاقتصادية للناس هي إما صامتة أو متفجرة. ازدياد التجارة يتطلب حكومة أكبر. تحرير التجارة يوزع المكاسب بشكل غير عادل، لذا فإن العمال ذوي الياقات الزرقاء الذين يخسرون وظائفهم أو أولئك الذين يلتصقون بأعمال وضيعة سيصبحون أكثر سوءاًَ. لتصحيح هذا التأثير، تُمارس بعض الأفعال الحكومية إما بمختلف أشكال التدخل الحكومي أو ببرامج الرفاهية الموجودة سلفاً والتي تعالج المشكلة فقط في سطحها الخارجي. ولكن بدلاً من اعتبار المجتمع المرتكز على السوق ساهم في زيادة الحاجة إلى دولة الرفاهية، من الملائم القول إن المشاكل التي تصيب فقراء أمريكا، مثلاً، هي ليست مالية في الجوهر، إنها نتيجة الحرمان الأخلاقي والروحي، حيث الناس لا يعطون الأولوية لقيم العوائل الموحدة، الجاليات، الإيمان وهو ما يخلق دورة من الفقر لا تستطيع تخفيفه اي حكومة بل تجعله أكثر سوءاً. الفشل في إعطاء الاولوية للجالية على التقدم الاقتصادي والتكنولوجي، ساعد الناس غير المناسبين في التأثير على هذه القضايا وتشويهها بطريقة مناقضة للمجتمعات الحرة. هذه الفجوات الثقافية بين العالم المعولم وشبه المعولم بقيت راكدة لفترة طويلة لتأتي اليوم في لحظة خطرة، حيث قضايا العدالة الاجتماعية والهوية تفرض نفسها على الخطاب العام، وأصبحت لها جاذبية في الأوساط الاجتماعية.
مراحل العولمة
الجغرافي البرازيلي ملتون سانتوس Milton Santos عرض أحسن تحليل عن تأثير العولمة على الفقر الأخلاقي والمالي. وصف سانتوس العولمة بالخرافة التي تدّعي أن السوق الاستهلاكية يمكن أن تكون قوة تجانس اقتصادية. هو اعتقد أن السعي للاتساق والتماثل من خلال العولمة أدى إلى مجتمع أقل توحّداً، مع زيادة ملحوظة فقط في «عبادة الاستهلاكية» والاعتماد على الدولة. هو في الأساس كتب بناءً على تجربة العالم الثالث لكنه عمم بحثه ليشمل الجماعات ذات الحاجة بشكل عام.
كان سانتوس مندهشاً بنظريات وفلسفات التاريخ. العولمة، كما عرّفها مجموعة مركبة من نظام جديد من التقنية والسياسة إلى جانب التقدم التاريخي. عندما قال كانط إن التاريخ تقدّم بدون نهاية، وسّع سانتوس هذا القول مضيفاً بأن التاريخ هو أيضاً «تقدم لامتناه في التقنية». مع كل تقدم تكنولوجيي، فإن مرحلة تاريخية جديدة تصبح ممكنة. طبقاً لسانتوس، إن المرحلة الأولى كانت تقسيم العمل الدولي الذي ترسّخ بظهور مراكز المدن والهياكل التشريعية القادمة بشكل رئيسي من الغرب، المرحلة الثانية كانت الثورة ما بعد الصناعية حيث المناطق الحضرية استثمرت في مواقعها الجغرافية عبر تطوير النقل البري والبحري لتسهيل تراكم رأس المال على نطاق أوسع، أخيراً، سمى سانتوس المرحلة الثالثة «ثورة الاستهلاك» التي شجعت التصنيع السريع في الأماكن غير المتطورة.
كانت المدن أول منْ تأثر بالفقر الحضري (أطراف المدن) عندما أصبح من الصعب معالجة قضايا مثل الإسكان، العمل، التهميش، الهجرة، والازدحام. مشكلة المدن الحضرية هي أن العولمة تنشر الابتكار من المناطق القطبية إلى المناطق الهامشية والثانوية، ومن الفترات التاريخية السابقة إلى فترات لاحقة. المناطق القطبية (المناطق المتطورة) تسرّع التغيير في المناطق الهامشية (المناطق غير المتطورة). هكذا، جسدت العولمة الأماكن غير المتطورة بشكل من التقدم التاريخي المنهك. تطورها السوسيواقتصادي اعتمد على كيفية وتوقيت إحساسها بضغط العولمة وليس بالنمو الطبيعي لها.
العولمة أول ما استقطبت الناس حسب الطبقة والمكاسب الاقتصادية قبل الظاهرة الحالية من الاستقطاب التكنولوجي. سانتوس كجغرافي ركز على التأثيرات المكانية للعولمة في العديد من الدول النامية، وهو ما يفسر سبب ارتباط نقده بتنمية المدينة. هو أدرك أن الطريقة التي نُظمت وصُممت بها الأماكن لها تأثير مباشر على تصور الناس لمكانهم في المجتمع. هو اعتقد أن العولمة كانت تُضعف التصادم الأساسي بين المستهلك والمواطن حين وضعته في بيئة يُنظر فيها للاستهلاكية السائدة والمواطنة كشيء قديم الطراز. المشاركة المدنية لها تأثير قليل عندما لا يرى الأفراد أن حكومتهم تعمل لأجلهم. بدلاً من ذلك، فإن إمكانية وجود مستقبل لمواطنة كاملة دائمة يعتمد على الحلول المحلية، ومنع إمكانية أن يصبح الإنتاج والاستهلاك المواطنة الجديدة حسب سانتوس.
الهوية الثقافية
لو وضعنا كل الانتقادات جانباً، لا استنتاج يمكن طرحه حول العولمة بدون الاعتراف الذي لا مفر منه بفوائدها، حتميتها، استحالة إبطالها. مساعدة الأمم الأخرى هو شيء ضروري ونبيل. جرعة معينة من العولمة كانت مفيدة حين حسّنت الصحة والتعليم وثروة العديد من المجتمعات. الخطر يأتي عندما نتوقف عن الاعتقاد بالشكل التعددي لهذه المشاريع ونسعى لجعلها مشروعاً عولمياً واحداً. أن أساس النظام العفوي الذي يفخر به نظام السوق هو أن التعددية طبيعية، جيدة، وضرورية للابتكار والتبادل. لكن التعددية يمكن المحافظة عليها فقط من خلال تعزيز الروابط المحلية التي تحفز الناس على تطوير وحماية بيئتهم المعينة. ولو انتقلنا خطوة أكثر، سنرى أن التعددية لن تستمر بدون دولة قومية كأحسن غطاء لتواريخنا وثقافاتنا المتفردة والمتغيرة. إن مشكلة العولمة وعدم استقرارنا الاجتماعي تكمن في تأثير العولمة على النفسية المدنية، إنها تزيل ارتباطنا بأرضنا والذي بدوره له تأثير واضح على تضامننا القومي، وعلى التزاماتنا تجاه جيراننا وجالياتنا والتي يجب أن تاخذ الأولوية دائماً. العولمة تسألنا لنختار بين الحفاظ على ثقافاتنا أو احتضان التعددية الثقافية، الأخيرة هي فقط مظهر تقليدي.
المصدر:Imaginative conservative,Nov,2019
التاريخ: الثلاثاء24-12-2019
رقم العدد : 979