هناك فقط معنى وحيد للحياة

 

الملحق الثقافي:رشا سلوم:

صدرت عن دار الحوار باللاذقية ترجمة جديدة لكتاب الهروب من الحرية، ترجمها محمود منقذ الهاشمي.
تأتي هذه الترجمة للكتاب «الهروب من الحرية» في زمن فاقت فيه أعداد ‏المتحدثين عن الحرية ‏والديمقراطية أعدادهم في كل الأزمان الماضية. إنها ‏تأتي في هذا الزمن الذي يشتدّ فيه التأثير ‏السيكولوجي الهائل لوسائل الإعلام، ‏في مختلف المحطات والمواقع والصحف والمجلات، ليخلق ‏الانطباعات ‏المحدّدة بالمعاني الثابتة لمشكلة الحرية وحلولها الليبرالية والأصولية ‏والدعائية ‏الإمبريالية وغيرها. وبما أن المنظور في كل المراكز الإعلامية، ‏على وفرة تعددّها، منظور أحادي ‏قيمي، حتى عند الكثيرين من المنادين ‏بالتعددّية السياسية، وليس منظوراً يرى التشابكات ‏السيكولوجية والاجتماعية ‏والاقتصادية والثقافية، فإن كتاب «الهروب من الحرية» بتحليلاته ‏‏واستقصاءاته التي تقوم على إدراك التشابكات، يجيء في الوقت المناسب.‏
إن هذا الكتاب يقدم التمييز الهام بين جانبي الحرية، السلبي والإيجابي. إن ‏مصطلح الحرية ‏الذي تستخدمه اللغات والثقافات المختلفة، كثيراً ما يتجاهل ‏الجانب الإيجابي للحرية، فيجري ‏استخدامه بأحد معنيي التحرر، أو الحرية ‏السلبية، أي التحرر من العوائق الخارجية. ولكن كثيراً ‏ما تكون الزواجر ‏الداخلية أقوى بكثير من الضغوط الخارجية الفعلية.‏
وعن هذا الكتاب المهم جداً تقول الموسوعة العالمية: كتاب الهروب من الحرية (Freedom) المعروف في أمريكا الشمالية بالخوف من الحرية: لمؤلفه الأخصائي النفسي والباحث الإجتماعي المولود في فرانكفورت إيريك فروم تم نشره في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق فارر ورينهارت سنة 1941 الكتاب يستكشف العلاقة بين التحول الإنساني والحرية مع الأخذ بعين الاعتبار النتائج المترتبة على غياب الحرية في سلوك الفرد. يركز الكتاب على الظروف الاجتماعية والنفسية التي سهلت صعود النازية.
مفهوم فروم عن الحرية
فرّق فروم بين «التحرر من» (الحرية السلبية) و«الحرية لأجل» (الحرية الإيجابية). الأول يشير إلى التحرر من القيود مثل المناسبات الاجتماعية المفروضة على الفرد من قبل أفراد آخرين أو منشآت مختلفة. هذا النوع من الحرية يتمثل في الوجودية التي تحدث عنها سارتر وخضعت للجدل تاريخياً. لكن بالنسبة إلى فروم، هذا النوع من الحرية قد يكون عامل هدم إلا إذا دمج بعنصر إبداعي، بمعنى استخدام الحرية لتفعيل الشخصية المتكاملة الشاملة تلقائياً في الأعمال الخلاّقة. ويزعم فروم بأن ذلك حتماً يشير إلى ترابط حقيقي مع الآخرين يذهب إلى ما هو أبعد من الرابط السطحي في العلاقات الاجتماعية: «في الوعي البديهي بالذات، الرجل يوطّد نفسه مرة أخرى مع العالم..» خلال عملية التحرر من هيمنة السلطة والسائد من القيم، فروم يزعم بأننا غالباً بعد ذلك نشعر بالفراغ والحصار. يقارن هنا بين عملية التحرر ومرحلة فطام الرضّع في الطفولة. وهذا الإحساس لن ينحسر حتى نستخدم جانب الحرية الإيجابي ونعمل على تطوير نظام بديل للنظام القديم، غير أن البديل الشائع لممارسة الحرية الإيجابية «الحرية لأجل» أو الموثوقية يتم عن طريق نظام مستبد يستبدل النظام القديم بآخر مختلف في الشكل الخارجي لكن متطابق داخلياً مع القديم عن طريق إلغاء الريبة والتشكك برسم حدود مقيدة للتفكير والتصرفات.
يصف فروم هذه العملية على أنها عملية جدلية تاريخية يسمى من خلالها الوضع الأصلي بالفرضية والتحرر منه بالنقيض. هذا التركيب يحصل فقط عندما يتم استبدال النظام الأصلي ومنح الناس مستوى جديد من الأمن. فروم مع ذلك لم يشر إلى أن النظام الجديد قد يكون بالضرورة تطويرياً وإنمائياً.
الحرية في التاريخ
الحرية، كما يزعم فروم، أصبحت قضية شائكة في القرن العشرين جديرة بالصراع حولها والدفاع عنها. على الرغم من ذلك، فإنه من غير الشائع أن يكون هذا الجزء البارز من تفكير الإنسان مأهول. ومن واقع الخبرة فإنه ليس من الضروري أن يكون هذا الأمر ممتعاً.
الفصل الأساسي في الكتاب يتحدث عن تطور علم اللاهوت لدى البروتستانت ويناقش عمل كالفن ولوثر. انهيار النظام الاجتماعي القديم وظهور الرأسمالية أدى إلى الوعي المتزايد بأن البشر قد يكونون كائنات مستقلة بذاتها تنظم مستقبلها بعيداً عن مجرد أداء دور اجتماعي- اقتصادي معد مسبق. وهذا بدوره ينعكس على مفهوم الإله الذي يراعي الحرية المستحدثة وفي ذات الوقت يحافظ على الجوهر الأخلاقي. رسم لوثر لوحة توضح بأن علاقة الإنسان بالإله كانت شخصية وذات بعد فردي خال من تأثير الكنيسة، بينما يرى كالفين بخصوص القضاء والقدر بأن البشر لا يستطيعون العمل من أجل الخلاص والتوبة بل بالعكس فقد تم جلبهم لهذا العالم بشكل لا يد لهم فيه. يعتقد فروم بأن كلا التصورين كانا ردي فعل ناجمين عن الوضع الاقتصادي المتحرر.
التصور الأول يعطي الأفراد حرية أكبر في إيجاد القداسة في العالم المحيط بهم بعيداً عن تعقيدات الكنيسة. وعلى الرغم من أن ظاهر التصور الثاني يعطي انطباعاً بالإيمان بالقضاء والقدر، إلا أنه يعطي طريقاً واضحاً للبشر للعمل على إيجاد وسيلة نجاة وخلاص. ومع عدم استطاعة البشر تغيير أقدارهم فإنه باستطاعتهم إيجاد قداستهم الخاصة عن طريق إلزام أنفسهم بالعمل الجاد والزهد في زينة الحياة وهي عادات لطالما اعتبرت من الفضائل. في الواقع هذا التصور جعل الكثير يعملون بجدية أكثر حتى يثبتوا لذواتهم بأنهم معدون بدرجة أساسية للإقامة في جنة الرب.
الهروب من الحرية
يعتقد فروم بأن «التحرر من» ليست تجربة يمكن الاستمتاع بها بحد ذاتها، ويقترح بأن علينا بدلاً عن الاستنفاع بهذه الحرية، التركيز على تقليل الآثار السلبية عن طريق تحسين الأفكار والتصرفات والتي تشكل أحد وجوه الأمن. وذلك كالتالي:
التسلّط: يصف فروم الشخصية المتسلطة بأنها تتكون من عنصر سادي وآخر ماسوشي. المتسلط يتمنى بأن يتمكن من السيطرة على البشر في خدعة ما لفرض نوع من النظام الخاص. ويتمنى أيضاً أن تتكون لديه قوة جبارة في شكل شخص معين أو فكرة مجردة.
الحرية في القرن العشرين
يحلل فروم صفات الفكر النازي، ويعتقد بأن الظروف السيكولوجية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى غذّت الرغبة في إنشاء نظام جديد لاستعادة كبرياء الأمة الألمانية. وقد تمثلت هذه الرغبة في الاشتراكية القومية التي يعتقد فروم بأنها جاءت من عمق شخصية هتلر المستبدة والتي لم تجعله يطمع فقط في حكم ألمانيا باسم العرق السامي، ولكن جعلت منه عنصر جذب للطبقة العاملة المضطهدة والتي وجدت فيه مصدر للكبرياء والثقة.
يشير فروم إلى وجود ميل نحو الخضوع للأنظمة المستبدة عندما تجرب الشعوب الحرية السلبية، ولكنه أيضاً قدم ملاحظة إيجابية عندما ذكر بأن التقدم الثقافي الراهن لا يمكن تجاهله، وأن النازية لم تقدم اتحاداً صادقاً مع العالم الخارجي. فروم في هذا الكتاب تفحّص الديمقراطية والحرية وأشاد بالديمقراطية الحديثة والأمة المنتجة كنماذج مثالية، لكنه شدد على أن هذا الشكل الخارجي للحرية في هذه المجتمعات لا يمكن الاستفادة منه كلياً ما لم تدعمه حرية داخلية مساوية لها في المقدار. ويعتقد فروم على الرغم من ذلك بأننا متحررون من الاستبداد المباشر وأننا لا نزال خاضعين في أفكارنا وتصرفاتنا للمنطق الشائع، نصائح الخبراء وتأثير الإعلانات التجارية. الطريقة الوحيدة ليصبح الفرد حراً هو أن يكون عفوياً في تعابيره الشخصية وتصرفاته وأن يملك القدرة على التجاوب بأمانة وصدق مع مشاعره الأصلية. تتبلور فكرة فروم هذه في جملته الوجودية الشهيرة «هناك فقط معنى وحيد للحياة: تصرّف وكأنك تعيشها» – معارضو فروم يعتقدون بأن هذا الرأي قد يؤدي إلى فوضى اجتماعية مؤمنين بأن ما يلامس طبيعتنا الإنسانية كأفراد يجب أن يلامس احتياجات الآخرين الذين نتشارك معهم هذا العالم. هذا هو المعنى الحقيقي للديمقراطية الاجتماعية والإدراك الإيجابي لـ»الحرية لأجل» والذي يبرز عندما يفلت البشر من التأثير الشرير للأنظمة السياسية المستبدة.

التاريخ: الثلاثاء18-2-2020

رقم العدد : 987

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” مرسوم بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعد شاغر في دائرة دمشق الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي