قص مطرز بالعواطف الإنسانية

 

الملحق الثقافي:نبوغ محمد أسعد:

تتفرد الكاتبة فلك حصرية إلى جانب القليل من الكتاب والكاتبات بقلم شفاف وإحساس عال بهذا النوع من الكتابة، الذي يأسر القارئ عندما يتعاطى مع هذا النوع من فن الرواية، فيأسره بتلك اللغة الشاعرية التي من شأنها التفاعل مع العمل لتعطيه طابعاً خاصاً ليشعر ببعض من الأمل والتفاؤل، خاصة لو كان هذا المنجز من قلب الواقع المر الذي يعيشه الوطن خلال الحرب الغاشمة عليه. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على براعة الكاتبة في نسج روايتها المطرزة بالعواطف الإنسانية ونبل الأخلاق والتحلي بالصبر والإيمان. فلا ضير لو بعض حبات الشكر التي تغطي قليلاً من المذاق المر الذي خلفته براثن هذه الحرب على مجتمع بقي صامداً في وجهه رغم كل جراحاته لكنه أبى التراجع والاستسلام.
الرواية ترصد بشكل عام فواجع الغربة والاغتراب عن الوطن وتحولاتها على هؤلاء الذين اعتقدوا بأن الغربة سوف تنجيهم من قدر محتوم وخاصة المغترب السوري وما وقع عليه من ظلم الدول العربية قبل الغربية ومحاربتها للشعب السوري على وجه الخصوص، فوقع تحت نير الظلم والاستبداد والذل والقهر والندم، وواجه الموت بكل أشكاله في طريق رسمتها مخيلته له كان يظنها معبدة بالآمال والأماني والراحة والرفاهية.
تنسج الكاتبة أحداث روايتها في العديد من دول العالم التي هاجر إليها عدد كبير من أبناء الوطن مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها وعدد من الدول العربية، وتحرك شخوصها وفق هذا الأساس وما مرت بها من معاناة إنسانية لم يشهد التاريخ لها مثيل، مقدمة لنا شخوص روايتها عندما تصف معاناتهم التي تعرضوا لها أثناء ورودهم في البحار التي ابتلعت أجساد الأطفال والأمهات والشباب دون رحمة ليصبحوا طعاماً لسمك القرش أو يدفنوا في جوف البحر بلا قبر أو شاهدة عليها اسمهم.
الرواية مأساوية حد القهر والوجع النفسي، لأنها تعكس المشاعر الإنسانية لشخوص الرواية وحالاتهم المشحونة بطعم الذل والقهر والحرمان، وخاصة عندما شعروا بأنهم مجرد سلعة للتجار والمرتزقة العرب والأجانب الذين ليس لهم هم سوى جمع المال على حساب المهجّر مهما كانت جنسيته، وابتزازه بكافة الوسائل الرخيصة والدنيئة لتقتل بداخله كل الآمال التي بناها في مخيلته على جسور الغربة التي أطاحت بأحلامه وحياته قبل بلوغ الأمل.
عمدت الكاتبة إلى تجزيء الرواية إلى فصول ليكون في الرواية أكثر من بطل، وابتعدت عن النزعة العاطفية الخاصة كي تصل إلى شمولية في التفكير ونضج البناء الفني محاولة الوصول إلى معادل موضوعي متوازن في ترابط الحدث الواقعي الذي جاء بأسلوب متماسك، وسخرت الاستعارات البيئية المحيطة بها والزمان والمكان لتتمكن من إقناع المتلقي بالأفكار التي طرحتها، فيعتقد المتلقي أنها كانت متواجدة مع كل شخوص روايتها أثناء رحلتهم المرة.
تقول على لسان أبو السعد أحد ابطال روايتها موظفة ضمير الغائب في ذلك:
انفطر قلب أبي السعد وودّ لو يتمثل له الذل رجلاً أو لصاً ليذبحه وتضاعف ندمه وطفح كيله، متمنياً لو لم يغادر بيته، يترك بلده ويهجر أرضه، عرضه، موطنه، كرامته، وقبلة إنسانيته وحريته.. انطوى على حزنه ولملم دموع سقوطه المتدحرج نحو الهاوية.
ثم تضيف على لسان ذاتها: أما كان السوري هو من ألحق الدنيا ببستان هشام، تفخر بهم أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، علموا الدهر كيف تزين الغوطة الفيحاء أهداب الجفون ويرسم قاسيون شعار خلود في عمق الغيوم.
تبقى الغربة هي الأمل للهاربين من الموت والقتل والدمار، إلى الموت الأشد وحشية على الجنس البشري. عاصم بطل آخر يشاهد بأم عينه وحش الموت الذي يغرس أنيابه في أرواح المهجرين إلى أوروبا فيبتلعهم البحر بجبروته وصراعه العنيف معهم وأيضاً الأخوان ماجد ومحمود اللذان نجيا من الموت لتستمر معهم رحلة الشقاء والغربة.
وفي طيور السلوى.. تتنادى بشجن.. وطعم الجراح.. علقم الغناء.ولردة الموت تشييع الحياة، وغيرها هي باقي فصول الرواية المأساوية التي سردت لنا الكاتبة أحداثها ببراعة الإدهاش ودقة التصوير لكل حركات الناس وسكناتهم عبر المكان والزمان مستفيدة من التجارب التي مر بها هؤلاء الأبطال، مما يترك مجالاً للشك والريبة بأن الكاتبة كانت بمشاعرها الإنسانية وعواطفها الوجدانية تتقمص شخوص الرواية فتبث المعاناة الحقيقية للحالات النفسية المشحونة بالوجع الإنساني، فتظهر حالات اليأس والقنوط والخوف من هول الموت الذي بقي يرفرف بأجنحته فوق الارواح المتحدية للطبيعة وغضبها الصاخب.
الرواية بسبكها اللغوي وحياكتها السليمة المطرزة بالعبارات الشاعرية المتدفقة بعنف تعالج قضايا اجتماعية وإنسانية معتمدة على السرد الواقعي الذي رصد حالات أثرت في الواقع الاجتماعي، وفجرت حزناً وحنيناً بين الذين ظلوا والذين هاجروا، فمن هذا وذاك كانت الحركة البنيوية لتداعيات الحدث الروائي الذي اعتمد التماسك الشديد في التعامل مع القارئ، لتقدم فلك حصرية إلى المستقبل القادم حالة لا لبس فيها تنذر وتحذر أبناء الأجيال القادمة من التعثر في متاهات غيرهم كي لا يكونوا صيداً سهلاً كما حصل لغيرهم.

التاريخ: الثلاثاء18-2-2020

رقم العدد : 987

آخر الأخبار
أسواق حلب.. معاناة نتيجة الظروف المعيشية الصعبة مهارات التواصل.. بين التعلم والأخلاق "تربية حلب": 42 ألف طالب وطالبة في انطلاق تصفيات "تحدي القراءة العربية" درعا.. رؤى فنية لتحسين البنية التحتية للكهرباء طرطوس.. الاطلاع على واقع مياه الشرب بمدينة بانياس وريفها "الصحة": دعم الولادات الطبيعية والحد من العمليات القيصرية المستشار الألماني الجديد يحذر ترامب من التدخل في سياسة بلاده الشرع: لقاءات باريس إيجابية وتميزت برغبة صادقة في تعزيز التعاون فريق "ملهم".. يزرعون الخير ليثمر محبة وفرحاً.. أبو شعر لـ"الثورة": نعمل بصمت والهدف تضميد الجراح وإح... "الصليب الأحمر": ملتزمون بمواصلة الدعم الإنساني ‏في ‏سوريا ‏ "جامعتنا أجمل" .. حملة نظافة في تجمع كليات درعا سيئول وواشنطن وطوكيو تتفق على الرد بحزم على استفزازات بيونغ يانغ تنفيذي الصحفيين يجتمع مع فرع اللاذقية درعا.. تبرع بالدم لدعم مرضى التلاسيميا غارات عنيفة على النبطية .. ولبنان يدعو لوقف الاعتداءات الإسرائيلية "زراعة القنيطرة".. دعم الفلاحين بالمياه والمستلزمات للزراعات الصيفية فلاحو درعا يطالبون بتخفيض أسعار الكهرباء توفير الأسمدة والمحروقات أول عملية وشم واسعة النطاق للخيول الأصيلة في دير الزور إدلب: في أول جولة له بالمحافظة.. وزير الاقتصاد يطَّلع على الواقع الصناعي والتجاري مرتبطة بسمعة الطبيب السوري.. كيف يمكننا الاستثمار في السياحة العلاجية