الشائعات والاقتصاد.. تزييف للحقائق وعرقلة للتنمية عبيدو لـ”الثورة”: لا يوجد نص صريح يحدد متى تعتبر الإشاعة جريمة

الثورة – سنان سوادي:
“إنه الاقتصاد يا غبي” هذه العبارة استخدمها بيل كلينتون خلال حملته الانتخابية عام 1992 ضد منافسه بوش الأب، تختصر وتعكس مدى أهمية الاقتصاد ودوره، فهو عصب السياسة ومحركها، لأجله ترسم السياسات، وتوضع الاستراتيجيات، وتقام التحالفات، وتعقد المعاهدات، وبسببه تندلع الحروب، وتحاصر بلدان، وتحتل دول, وتعتبر قوته أحد أهم أشكال تحقيق الأمن الوطني والقومي نتيجة ارتباطه بشكل مباشر بحاجات الناس اليومية والمعيشية.
ونظراً لأهميته وقدرته على التأثير الفردي والجمعي يتم استهدافه إما بطريقة مباشرة من خلال الحصار وفرض العقوبات أو غير مباشرة عن طريق بث الإشاعات بهدف زعزعة الاستقرار.

مفهوم الشائعة

رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة اللاذقية إيفا خرما قالت لـ”الثورة”: الشائعة خبر أو معلومة غير مؤكدة تنتشر بين الناس بسرعة، وغالباً ما تفتقر إلى الدقة أو المصدر الموثوق، وتختلف عن الخبر الصحيح بغياب التحقق، وقد تكون الشائعة ذات طابع اجتماعي، سياسي، اقتصادي، وشخصي وقد تكون مقصودة لنشر البلبلة، أو غير مقصودة نتيجة الجهل أو الخوف.
وبيّنت د. خرما أن الشائعات في ظل التطور الرقمي أصبحت تنتشر بسرعة هائلة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، تيك توك، إنستغرام، والواتساب)، إذ يمكن لأي شخص نشر معلومة مغلوطة خلال لحظات لتصل إلى آلاف أو ملايين المتلقين، أو عن طريق القنوات غير الرسمية (المجموعات المغلقة، المنتديات الإلكترونية، وقنوات التليغرام)، والإعلام غير المهني (المواقع التي تنشر معلومات مضللة دون التحقق)، واستخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة التي يمكن أن تخلق محتوى زائفاً يبدو حقيقياً، ومشاركة الأفراد بدافع الفضول أو الرغبة في السبق دون التحقق من مصدرها.
وعن أنواع الشائعات بينت أن هناك الشائعة السياسية التي تستهدف شخصيات أو أحزاب لتشويه السمعة، والاقتصادية كأخبار عن انهيار عملة أو إفلاس مصرف، والاجتماعية (الكوارث، الجرائم، العلاقات الشخصية)، والصحية كالمعلومات المغلوطة عن الأمراض واللقاحات.
وأوضحت د. خرما أنه لمواجهة الشائعات يجب التحقق من المصدر وعدم نشر أو مشاركة أي خبر غير موثوق قبل التحقق منه من وسائل إعلام رسمية أو مصادر معروفة بالموثوقية، والعمل على التوعية الإعلامية من خلال تعليم الأفراد كيفية التمييز بين الأخبار الحقيقية والمزيّفة، وتدخل الجهات المختصة وإصدار بيانات توضيحية بشكل سريع، واستخدام نفس منصات التواصل للرد على الشائعة بنفس الوسائل والسرعة.
وأشارت إلى ضرورة سن قوانين وتشريعات تجرّم ترويج الشائعات التي تهدد الأمن العام أو تسبب الذعر، وتمكين الصحافة المهنية ودعم وسائل الإعلام الجادة لتكون المرجع الأول للجمهور، وبناء الثقة بين المواطن والمؤسسات فكلما زادت الثقة بالمؤسسات الرسمية، قل اعتماد الناس على الشائعات ومن الضروري إدخال مفهوم “التربية الإعلامية” في المناهج الدراسية.
ونوهت د.خرما بوجوب تعزيز ثقافة التفكير النقدي لدى الجمهور لتقليل المفاعيل السلبية للشائعات، وفتح قنوات مباشرة وشفافة بين المسؤولين والمجتمع، وتسريع الرد الرسمي لتفنيد الشائعة قبل أن تتفاقم، ونشر الحقيقة لتعويض آثار الأخبار الكاذبة.
ولفتت إلى مواجهة الشائعات في عصر السرعة والتكنولوجيا بالتكامل بين الفرد، المجتمع، والمؤسسات فالوعي والشفافية، إلى جانب التقنيات الحديثة، يمكن أن تكون أدوات فاعلة لردع الشائعة والحد من أثرها السلبي في المجتمعات.

الشائعة والاقتصاد

الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة اللاذقية الدكتور ذو الفقار عبود، أكد أن للشائعات تأثيراً حقيقياً على الصعيد الاقتصادي من خلال التأثير على العقل الجمعي في المجتمع بشكل مباشر مما يؤثر على نفسية الأفراد وبخطوات بطيئة وثابتة يصيب الأفراد نوعاً من الإحباط، ما يؤثر على إنتاجيتهم بشكل مباشر وتباطؤ في مستويات النمو بشكل غير مباشر، وعندما يصبح لدينا تباطؤ في النمو يصبح لدينا مشكلة واضحة في الدورة الاقتصادية في الاقتصاد الكلي وعجز، ومع الوقت يصبح الاقتصاد المحلي غير جذاب للاستثمار الأجنبي وطارد للأعمال مما يُضعف القطاع المحلي بشكل مباشر.
وبين د. عبود أن إضعاف الثقة بين القطاع الخاص والقطاع العام يؤدي إلى رفع مستويات الشك بين الأطراف، لذلك يجب الحذر من الشائعات، لأنها دائماً ما تعمل على هدم السمعة الاستراتيجية للدولة والمجتمع.
ودائماً ما تدار الحروب النفسية عن طريق الشائعات، لذلك يجب ورفع مستوى الوعي لدى كافة طبقات المجتمع وخاصة فئة الشباب لأنهم هم من يهتمون بنقل المعلومة، عبر توعيتهم بالاهتمام بدقة المعلومات ومصادرها الموثوقة.

واليوم هناك ما يعرف بالشائعة الذكية- بحسب عبود، حيثيقوم هذا النوع من الشائعات على تقديم القليل من المصداقية في كثير من الكذب، بحيث لا ينتبه الطرف المستهدف ويتجرّع الخدعة ويذعن للشائعة التي تم استهدافه بها، وعادة ما تكون هذه الشائعات موجهة إلى أجهزة الاستخبارات والحكومات والهيئات عالية المستوى، وغالباً يكون مُطلق الشائعة يتسم بالحنكة والخبرة الإلمام بالكثير من التفاصيل الدقيقة، وتتطلب تجهيزاً خاصاً في مرحلة الإعداد والدراسة للآثار المحتملة التي ستنشأ عقب انتشار الشائعة.

ووصف عبود هذا النوع بأصعب أنواع الشائعات وأعقدها، فهدف الشائعة الذكية ضرب قواعد المعلومات، والتشويش على الأفراد عن طريق التمويه وبث الأخبار الكاذبة والمغلوطة، فكلما انتشرت المعلومات الكاذبة ازداد الارتباك لدى الأفراد، وأصبح من الصعب على الفرد اتخاذ قرارات سليمة وراشدة، ويفقد القدرة على حماية نفسه.
ومن أشهر الشائعات التي يتم اطلاقها للتأثير في المجتمع يضيف عبود: بيع القطاع العام للقطاع الخاص أو لشركات عابرة للقوميات- خصخصة القطاع الصحي والتعليمي- استيراد منتجات غذائية معدّلة وراثياً- وجود عملات مزوّرة في السوق – انتشار ليرات ذهبية مزيفة- ارتفاع في الضرائب العامة- ارتفاع في أسعار النفط- ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية- بيع المرافق والخدمات العامة مثل السكك الحديدية والموانئ والمطارات- حظر استيراد بعض السلع- وجود لقاحات طبية ملوثة- فقدان الأدوية المحلية للمواد الطبية الفعّالة- مصادرة الممتلكات والعقارات غير المستغلة، وغير ذلك من شائعات تضر بالاقتصاد الوطني وتنسف ثقة المواطن بالحكومة.

الشائعة والقانون

وعن عقوبة مروّج الشائعة بيّن المحامي باسم عبيدو إلى أن المشرّع السوري سن قوانين لمكافحة الإشاعة التي تستهدف الدولة أو تنشر معلومات مضللة تصل العقوبة إلى السجن أو الغرامة كالمادة 286 و287 و309 و 310 من قانون العقوبات العام السوري.
فالمادة 286 تنطوي على جريمتين أحدهما جنحة يطلق عليها “جرم نقل الأنباء البسيط أو العادي” وعقوبتها الحبس من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنوات وذلك عندما ينقل الفاعل في سورية خلال الحرب أو عند توقع حدوثها أخبار كاذبة توهن نفسية الأمة وهو يحسب أنها صحيحة، والأخرى جناية يطلق عليها “نقل الأنباء المشدد أو الموصوف” وعقوبتها تتراوح بين ثلاث سنوات وخمسة عشر عاماً.
وأضاف المحامي عبيدو: إن المادة 287 نصت على أن كل سوري يذيع في الخارج وهو على بيّنة من الأمر أخباراً كاذبة أو مبالغاً فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة، أو من مكانتها المالية يعاقب بالحبس ستة أشهر على الأقل وبغرامة بين خمسين وخمسئة ليرة، ويمكن للمحكمة أن تقضي بنشر الحكم، وبالمنع من الحقوق المدنية أو منع من الإقامة تطبيقاً للمادة 311 من قانون العقوبات السوري.
وأشار إلى أن المادة 309من قانون العقوبات نصت على أنه: من أذاع بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 208 وقائع ملفقة، أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق العملة الوطنية، أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الأسناد ذات العلاقة بالثقة المالية العامة، يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مئتين وخمسين ليرة إلى ألف ليرة، ويمكن فضلاً أن يقضى بنشر الحكم.
من استعراض هذا النص يتضح أنه يشترط لقيام هذه الجريمة تحقق ركنين اثنين، هما: مادي ومعنوي، ويتجلى الركن المادي في إذاعة وقائع ملفقة أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق العملة السورية، أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها، وجميع الأسناد ذات العلاقة بالثقة المالية ويراد بإذاعة الوقائع الملفّقة أو المزاعم الكاذبة تداول روايتها وبثها ونشرها بين الناس.
ولفت الأستاذ عبيدو إلى أنه قد حدد المشرع الوسائل التي تحصل بها هذه الإذاعة، ويشترط أن تتم بصورة علنية بإحدى الوسيلتين الأولى، وهي أن تحصل إذاعة الوقائع الملفقة أو المزاعم الكاذبة بالكلام أو الصراخ سواء جُهر بهما، أم نقلا بالوسائل الآلية بحيث يسمعها في كلا الحالين من لا دخل له بالفعل.
أما الوسيلة الثانية فهي أن تحصل إذاعة هذه الوقائع أو المزاعم بالكتابة والرسوم والصور اليدوية والشمسية والأفلام والشارات والتصاوير على اختلافها إذا عرضت في محل عام أو مكان مباح للجمهور أو معرض للأنظار.
وتقتضي الإذاعة أن تتواتر رواية الوقائع الملفقة أو المزاعم الكاذبة، فينقلها بعض الناس إلى بعضهم، أو أن يعلمها فريق كبير منهم في آن واحد، كما لو أُبلغت إلى عدد منهم وهم مجتمعون، أو كأن يقوم الفاعل بنقل الواقعة الملفقة أو المزاعم الكاذبة إلى من صادفه حتى ينتشر خبرها، ويعرفه عدد كبير من الأفراد.

آخر الأخبار
إخماد حريق بمستودع غاز في حي العريض بطرطوس  الشرع يتلقى اتصالاً من نظيره اللبناني للتعزية بضحايا الهجوم الإرهابي بدمشق الداخلية: الخلية الإرهابية التي نفذت تفجير الكنيسة تتبع لـ"داعش" والقبض على  أفرادها "الإسكان" وتوجه جديد.. التخطيط سابق للتنفيذ صناعيو السيراميك يواجهون مشكلة إغراق السوق بالمستوردات والمهربات افتتاح ثلاثة مراكز غداً..  عودة المؤسسة السورية للبريد إلى إدلب بعد انقطاع عشر سنوات    إطلاق مؤتمر "كارلتون" في إدلب.. انطلاقة استثمارية جديدة في المدينة محافظ إدلب يزور قرى ريف معرة النعمان الشرقي لتفقد أوضاعها بحضور شعبي واسع.. تشييع جثامين ضحايا التفجير الإرهابي بدمشق وزير الأوقاف يزور مصابي تفجير كنيسة مار إلياس في " إكسبو" وبعد الغياب.. شركات الشمال .. الحضور القوي والعلامة الفارقة طلاب السويداء ينهون امتحان الاجتماعيات في أجواء هادئة تلقيح 60 طفلاً في الريف الشرقي بحمص جنود إسرائيليون يعتدون على منظومات الطاقة في بلدة جملة دعم المشاريع الاستثمارية بدرعا مع مجموعة بعلبكي للإعمار والاستثمار إزالة تعديات على خطوط مياه الشرب في إنخل تحديات أمام مجلس الشعب القادم.. خبير قانوني لـ"الثورة": دور فاعل في مساءلة الحكومة كي لا يتحول لشرعي... انطلاق عمليات تصحيح الأوراق الامتحانية للتعليم الأساسي بحلب دمج المجالس المحلية في مناطق الشمال ضمن محافظة حلب التوغل العسكري الإسرائيلي يتصاعد في جنوب سوريا