أديب مخزوم
ثمة نصيحة تقدم لمن يعملون في انتاج اللوحة والمنحوتة، وخاصة الشبان والشابات، أن ينتجوا مايحبونه، ولا يلتفتوا الى النقد الهدام، من أي كان، لأن العديد من العاملين في المجال الفني والثقافي تتملكهم نزعة إلغاء الآخر، وعدم الإعتراف بقدراته الإبداعية، والأسوأ من ذلك أنهم يريدون حصر تجربته في إطار معين، يتناسب مع قناعاتهم القاصرة فقط، والبعيدة كل البعد عن معايير النقد المعاصر، ففي الماضي البعيد كان للفن الكلاسيكي معاييره الثابتة والمتوارثة، وكان أي خلل في العمل الفني يظهر للجميع، ولم يكن هناك أي مجال لتسلل الدخلاء . ومن اليوم الذي أصبح فيه جاكسون بولوك رائداً للفن الأمريكي الحديث ، بطريقة صب اللون السائل على سطح اللوحة، بطريقة دائبة ومتشابكة، إنقلبت معايير الفن المعاصر رأساً على عقب، وأصبح لكل عمل فني معاييره الخاصة، وقبل بولوك ، كانت قد أنتهت، مرحلة ولادة كل المدارس الفنية الحديثة، التي بدأت مع كلود مونيه زعيم الإنطباعيين ، ثم أعطى بول سيزان المتانة للإنطباعية ، فاتحاً الطريق أمام جورج براك وبابلو بيكاسو لإبتكار الإتجاه التكعيبي، وصولا إلى كاندينسكي رائد التجريد الغنائي، وموندريان مؤسس التجريد الهندسي، وسلفادور دالي، الذي أعاد دورة الفن إلى الوراء، حين أعتمد على تقنية الرسم الكلاسيكي، في توليف رؤى وكوابيس أحلامه الفانتازية والسوريالية الخارقة.
ومع إنتهاء المدارس الفنية ، لم تعد هناك معايير نقدية ثابتة، أصبحت مهمة الناقد البحث عن اسلوب وخصوصية وفرادة كل فنان على حدة، وأصبح من العبث إطلاق معايير فنية مثالية، على فنان يحاول الإمساك بآخر ما وصلت إليه ثقافة فنون العصر، من تحولات تعبيرية وجمالية وتقنية .. وقد يكون الفنان مبدعاً في مجال إنتاج اللوحة والمنحوتة والمحفورة، إلا أن هذا لا يعطيه الحق في إطلاق الأحكام العشوائية على تجارب الآخرين، لأنه ليس ناقداً، وأحكامه لا ترتكز على ثقافة بصرية متجددة .
لتصلكم صورنا وأخبارنا بسرعة وسهولة انضموا لقناتنا على تيليغرام
https://t.me/thawraonlin