تميَّز محمد عبد الوهاب دون غيره بتربعه على عرش الغناء لعقود طويلة، حتى أن فريد الأطرش، الذي غزت ألحانه العالم، كان يؤدي بعض أغانيه في بداياته، أتحدث هنا عن عبد الوهاب المطرب حصراً، بغض النظر عنه ملحناً، حتى لا أدخل في إشكالية اقتباساته الذائعة الصيت. لاسيما وأن تاريخ الأمة العربية سجل أنه كان على رأس هرم الغناء العربي في القرن العشرين، مثلما كان فريد الأطرش وأم كلثوم ووديع الصافي، والأخير وصفه عبد الوهاب نفسه بأنه مطرب المطربين.
وفي إطار الحديث عن عبد الوهاب مطرب القرن، ومطرب الألف عام، كما وصفه جورج إبراهيم الخوري، أرد على الذين يقولون بأن رياض السنباطي تفوق عليه، لاسيما وأن الأخير كان أقرب إلى التلحين من الغناء، وكانت الأغاني التي أداها قليلة، ولا تقارن بالعدد الكبير لأغاني عبد الوهاب أو فريد الأطرش أو وديع الصافي أو أم كلثوم وسواهم من مطربي ومطربات الصف الأول.
نخلص إلى القول بأن عبد الوهاب كان ملحناً ومطرباً، ولقب بمطرب الملوك والأمراء، قبل أن يلقب بموسيقار الأجيال، وفريد الأطرش الملحن والمطرب والعازف الفذ، لايمكن مقارنته إلا مع عبد الوهاب، ( لأنهما تقاسما القمة في التلحين والغناء معاً، دون وجود ثالث لهما) حتى أن فريد الأطرش، تجاوز كثيراً كل الملحنين والمطربين والعازفين العرب، في شهرته العالمية.
هكذا نجد أن الآخرين كانوا أقرب إلى التلحين والعزف من الغناء، وبالتالي لا يمكن وضعهم في خانة مطربي القمة الكبار، رغم أن معظم الملحنين الكبار سجلوا بعض ألحانهم بأصواتهم ( من أمثال زكريا أحمد ورياض السنباطي وبليغ حمدي ومحمد الموجي وسيد مكاوي وغيرهم) إلا أن شهرة هؤلاء جاءت من خلال ألحانهم وليس من أغانيهم ( بدليل أن بداياتهم كانت مع الغناء والتلحين معاً، إلا أنهم مالبثوا أن أنسحبوا من عالم الغناء إلى التلحين).
قد يكون السنباطي تفوق على عبد الوهاب، ولكن في إطار التلحين فقط، أما في إطار الطرب فلا مجال للمقارنة والمقاربة، لأننا في هذه الحالة نظلم عبد الوهاب أحد كبار المطربين في هذا العصر، رغم تقديري المطلق لعبقرية السنباطي في مجال العزف والغناء، وفريد الأطرش تميز أيضاً عن عبد الوهاب، وعن كل الملحنين الذين دخلوا مجال الغناء، بأنه كان ملحن ومطرب وعازف جماهيري، وكان يزلزل الأرض في أي مكان يتواجد فيه تحت أقدام جمهوره، إضافة إلى تفرده بقدرته الفذة على إثارة الجمهور بعزفه على العود.
رؤية- أديب مخزوم