إن أول ما يمكن استشفافه من تحليل الاتجاهات التشكيلية العربية الحديثة والشابة والحالية، هي العلاقة المتبادلة و المتداخلة والمتشابكة والملتبسة القائمة بين معطيات التشكيل الأوروبي الحديث، وإيقاعات الفنون العربية المعاصرة. حتى إن التجارب التشكيلية العربية الحديثة في كل مراحلها وتحولاتها، جنح أصحابها نحو مظاهر التجميع في دمج الشكل الشرقي ( الزخرفي أو الحروفي أو الواقعي ) بمزيد من اللمسات اللونية المتحررة، التي أطلقتها صالونات العواصم الأوروبية في القرن العشرين، بحيث أصبحت هذه الاتجاهات غريبة عن خصوصيات التراث العربي، ومتأثرة بتجارب “هنري ماتيس” و”بول كلي” وسواهما، من الفنانين الأجانب الذين حرروا الزخرفة العربية من رزانتها الهندسية، قبل الفنانين العرب الرواد، الذين تعاملوا مع التراث بعقود طويلة.
هكذا يتم التحكم بالفنان العربي الحديث “بالريموت كونترول” من خلف البحار، وهذا ما أدى في أحيان كثيرة إلى ظهور تجارب تشكيلية عبثية، تعطي انطباعاً مباشراً بأن الفن العربي الحديث لا يزال ومنذ أكثر من مئة عام يتخبط في أزمة الفنون الحديثة التي عرفتها عواصم الفن الكبرى، حتى باتت الأزمة الفنية في تيارات التشكيل السوري و العربي الحديث هي أزمة لها علاقة مباشرة بحدة المراوحة في اجترار مفردات تشكيلية، رسختها حرية التعبير وثقافة الاستهلاك والسعي وراء كل ماهو بائد واستعراضي ومألوف ووقتي وزائل.
وخطوت إعادة تدوير الفنون الأوروبية والغربية عموماً، تتم بشكل يومي في المحترفات العربية منذ أكثر من مئة عام، مع استعادة تقنيات الرسم الانطباعي التي أطلقها الفرنسي “كلود مونيه” وأطاحت بالاتجاهات الكلاسيكية والرومانسية والواقعية، رغم أن هذه المدارس لا تزال تثير اهتمام العديد من الفنانين في الشرق والغرب، وفي الشمال والجنوب، إلى جانب الاهتمام المتواصل بإعادة تدوير أعمال مرحلة ما بعد الانطباعية والنيو انطباعية في مدرسة باريس، والتي أطلقت العنان للرؤى التشكيلية الأكثر حداثة.
فقد تركت معطيات الفنون الأوروبية الحديثة أثرها الواضح على اتجاهات الفنون العربية الحديثة، من جيل الرواد وصولاً لجيل الشباب لدرجة أن العديد من الفنانين العرب المحدثين جنحوا في تجاربهم نحو العبث التشكيلي الأوروبي الحديث وصولاً إلى التجهيز والفنون التركيبية وغيرها بحجة التجديد والانطلاق وتجاوز الأنماط المتعارفة والقوالب المستهلكة والجامدة.
رؤية- أديب مخزوم