أهم حدث في حياة شعب يتمثل في قيام نهضة فنية وثقافية فيه، لأن الفن رسالة حضارية وإنسانية، تتجدد مع الأجيال المتعاقبة، والموسيقار الخالد فريد الأطرش حقق شهرته العالمية لأنه صاحب عبقرية فذة وفريدة ونادرة، وكان شلالاً متدفقاً من الأنغام العذبة والساحرة المدهشة والمبهجة والخالدة، رغم أنه كان يضع ألحانه في فترة زمنية قصيرة جداً، حيرت كبار الفنانين، وهذه ناحية أهملها التاريخ الفني، ولم يتحدث عنها أحد، وفي هذا الصدد يقول موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب: مع الحياة التي كان يعيشها فريد الأطرش بالطول وبالعرض كنت أتساءل: متى يجد وقتاً لكي يلحن؟، وأين الوقت الذي ينفرد فيه بنفسه طويلاً؟، لينتج هذا الإنتاج الغزير في وسط حياته الصاخبة، وسرعان ما جاءني الرد: فريد الأطرش كان موهوباً وواثقاً من نفسه ثقة كبيرة، فاللحن في يده لا يستغرق أكثر من دقائق معدودة، وكان يختار الكلام ثم يلحنه ولا يغير فيه أبداً مهما كان، ولا يضيع وقته في الوسوسة.
و يقول أخوه منير الأطرش (من أبيه فهد الأطرش) في حوار أجريته معه عام 2002: ذهبنا مرة مع فريد إلى مصر وفي اليوم الثاني طلب وزير الإرشاد منه أن يلحن نشيداً لمناسبة كانت ستقام في اليوم التالي: عندها اتصل فريد ببيرم التونسي وطلب منه أن يكتب كلام أغنية للمناسبة، كلام ترحيب برئيس كان سيحضر، مثل: مرحب مرحب مرحبتين، وقال للحفناوي غداً أجمع أعضاء الفرقة الموسيقية من أجل البروفات وتأدية الأغنية في الحفل وهكذا لحن فريد أغنية (مرحب مرحب مرحبتين) في جلسة واحدة، وقدمها بنفس اليوم بمصاحبة الفرقة في الحفل. وهذا ينطبق على مجمل ألحانه التي لحنها بسرعة قياسية ولقد صرح مأمون الشناوي قائلاً: إن فريد لحن سمفونيته الخالدة (الربيع) وهي من أشهر وأنجح أغانيه في يومين فقط.
وتقول صاحبة الصوت الأسمهاني المطربة نازك، بأنها زارت مرة فريد الأطرش، ومعها كلمات أغنية (ما تقولش كنا وكان) وحين قرأ فريد الكلام أعجب به، وقال لها لن تذهبي إلا ومعك اللحن، وأحضر العود وبدأ يلحن ويردد اللحن معها حتى انتهى منه وأعطاها شريط التسجيل، وحين سجلتها في الاستوديو وبثت حققت انتشاراً واسعاً، واعتبرها النقاد من أجمل وأنجح وأهم أغانيها.
رؤية – أديب مخزوم