ثورة أون لاين _ هفاف ميهوب:
أكثر من يجوبُ الفضاءات بحثاً عن الجمال والسلام والحب، المبدع الذي يهاجر دوماً من القلب إلى القلب.. الوطن المعشوق لدى جميعِ أبناء قلبه، والمُلهم لمن جسدوا هذا العشق بإبداعاتٍ تضيء الحياة به..
الوطن الذي يحيا هؤلاء العشاق بأنفاسه، يصير ذاكرتهم التي تخلده بأعمالٍ تبلسمُ في الأزمات آلامه.
نعم هو الوطن، القلب الذي أبى الفنان “إياد البلال” إلا أن يلوذ في نبضه.. يستمد منه الحياة، فيحيلها إلى أنغامٍ يأبى أن يشاركه تقاسيمها، إلا أنامل عزفه.
أناملِ الفنِّ الذي ارتضاه هويته. هوية “الفنان-النحات” الذي واجه بإبداعه كلّ الأعداء واللقطاء ممن شاركوا بالحرب على سوريته.. الحرب التي مثلما جسّد بشاعتها وما فيها من حكايات الدمار والموت والمأساوية، جسّد أيضاً ما واجهها بالحبّ والجمال والحياة والتضحية.
جسّد كل ذلك بإبداعٍ أخضعَ أدواته القاسية والصلبة، وإلى أن أنشدت حجارته “أغاني الحرب والحب والموت” بمفرداتٍ تضجُّ بالألم والمعاناة والغربة.. أنشدت حجارته مع مبدعها، الذي أبى إلا أن يُنشد معها:
“لم نعد سوى أناشيدنا، وشعلة القلب، ومواويل نهرٍ.. حملنا كمنجاتنا ودفوفنا، وفيضُ الحب والأغنيات، صوراً عن جنتنا وأفراحنا التي كانت ذات أرض وزمان..”..
نشيدٌ، لم يتوقف عن ترديده على مدى ما نعيشه في “موسم الموت الجماعي” الذي أحال محطات الحياة إلى “حقائب دم”.. الموسم الذي قضت شروره وأحقاده وأوبئته، على كل ما في الحياة من آمالٍ، وأفرجت عن كلِّ ما يعد بالظلام والعدم.
هذا هو الإنسان السوري.. المبدع الحضاري.. هذا هو الفنان الذي كلّما تألم تعلّم، كيف يخلق من الألم حكاية، ومن كلّ حكاية ذاكرة هي المرايا.. المرايا التي تجعل العالم بأكمله يرى فيها حقيقته، والتي يرى فيها المبدع كلّ الوجوه التي جعل من معاناة إنسانها قضيته..
إنها المعاناة التي لم تمنعه من أن يحيا رغم الموت فيه وحوله، ومن أن يعشق فيحلق عالياً في فضاءِ حلمه.. من أن ينشد رغم الحرب كل الأماني.. ينشدها وهو يشرِّع سوريته للشمسِ قائلاً عن هذه الأغاني:
“هي استمرارٌ لبحثي عن أزمات الإنسان المعاصر، ومنها الحرب وأثرها من الموتِ إلى الحب المحاصر.. اعتمدتُ فيها تشكيلات معمارية، تظهر في المنحوتات جلية، وتنتهي بقناطرٍ دلالةً على المكان.
الأشخاص بحالاتٍ مختلفة، وتعبيرات مختلفة، لكنهم يؤلفون إيقاعاً عاماً، أو هارمونياً شكلياً ونفسياً وبصرياً.. يجمعهم هاجس أو وهم مشترك، ويحمل البعض الدفوف التي هي في الموسيقا ضابط الإيقاع، وقد اعتُبرت في القديم علامات حربٍ ما، أو نصرٍ ما.. إنه توثيق لألم الحرب وربما التنبؤ بحربٍ أكبر، مع الإبقاء على دلالات المكان ورمزياته، ومع الإيمان بالإنسان لأنه تحت الأقواس مقدس”.