يروج الاعلام الغربي المأجور لتوتر في العلاقات السورية – الروسية وأن روسيا بدأت خطوات عملية لفك التحالف مع سورية سواء بشأن التعامل مع تركيا التي ما زالت ممعنة في مشروعها لقضم اجزاء من الاراضي في الشمال التي ما زالت تحت سيطرة المنظمات الارهابية وعلى رأسها “النصرة” وتحديداً محافظة ادلب، او في الجزيرة السورية، حيث ما زالت اميركا تحمي الفلول الداعشية، او في التعامل مع العدو الاسرائيلي الذي يكثف غاراته على مناطق متفرقة من سورية ويطول المدنيين.
وقد يبدو المشهد صحيحاً في جائحتي الكورونا والنفط اللتين اجلتا مفاعيل الاتفاقيات المبرمة بين الدولتين واهمها الحفاظ على وحدة الاراضي السورية بقيادة الرئيس بشار الأسد ، وهذا هو الاتفاق التطابقي بين الدولتين ولا رجعة عنه، بل ان هاتين الجائحتين قد تسمحان للبعض باللعب في الاوقات الضائعة.
إنّ روسيا حاذرت منذ بداية الحرب الكونية على سورية المواجهة مع أميركا واختارت العمل الدبلوماسي المقيّد الذي لا يمنع أميركا من استمرار العدوان، لكنه لا يتركها طليقة اليد في المجال السياسي الدولي لفعل ما تشاء على الساحة السورية، ومن هنا فقد جمعت روسيا في سلوكها بين الفيتو الذي مارسته في مجلس الأمن ضدّ مشاريع القرارات التي تمسّ بمصالح سورية، وبين الإحجام عن التدخل العسكري نصرة للحكومة السورية.
لكن الصمود السوري مع حلفائها الميدانيين سفّه أحلام قوى العدوان عليها، وصمدت إلى حدّ جعلت روسيا تعترف أنّ دعمها لها لا يمكن ان يذهب هدراً، وإنْ تركها وحدها في مواجهة العدوان لن يكون في مصلحة روسيا خاصة إذا انتشر الإرهاب خارج سورية، متذكرة المقولة التاريخية إنّ “الدفاع عن موسكو يبدأ على أسوار دمشق”، لهذا انخرطت روسيا منذ العام 2015 جزئياً في العمل العسكري بجانب سورية وايران وحزب الله وحرّكت جيشها بقوته النارية من طيران ومنظومات صاروخية وجوفضائية لتقديم الإسناد الناري للجيش العربي السوري الذي يكافح الإرهاب على أرضه.
هذا الدخول العسكري الروسي جعل الامر يختلط على الكثير عدا قلة يعرفون طبيعة العلاقة، فقد اعتقد البعض انّ التدخل الروسي هو وضع يد على سورية ومنهم من رأى ان روسيا دخلت مع سورية في حلف عسكري استراتيجي عضوي يجعلها عدواً لمن تعاديه، وصديقاً لمن تصادقه.
ان العارفين بروسيا يدركون ان لروسيا سياستها التي تتقاطع مع سورية في أمور وتعاكسها في أمور أخرى، وأنّ وجودها العسكري في سورية له مهمة محدّدة تتصل بالحرب على الإرهاب ومنعه من تفكيك الدولة، فمهمتها ليست مواجهة «إسرائيل» او اميركا او محاربة تركيا او الخصومة مع دول الخليج، وحتما ليست لقتال أوروبا.
وفي الواقع لم تحاول روسيا فرض انتداب على سورية التي لا يمكن أن تتقبّل أصلاً هذا الأمر، فعقدت تفاهمات مع أميركا تمنع الصدام معها، ووضعت قواعد للتعامل مع التدخل الإسرائيلي في سورية، وجذبت تركيا إلى استانة للانضمام اليها مع إيران لتشكيل ثلاثية رعاية حلّ في سورية.
ومثل هذه العلاقة ليست من الطبيعة التي تفترض التطابق في كلّ شيء، وليست من الطبيعة التي تجعل طرفاً يسيطر على آخر ويملك قراره ويصادر سيادته، فسورية قوية بذاتها ومحور مقاومتها ولن يُملى على شعبها شيء لا يريده.
وإن غداً لناظره قريب
د. عبد الحميد دشتي