رسائل ناقلات النفط الإيرانية من زمن راحل لم يرحل

ثورة أون لاين- بقلم: أبو الفضل صالحي نيا المستشار الثقافي لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سورية

 فاجأت إيران العالم بإرسالها خمس ناقلات نفط عملاقة الى فنزويلا ضاربة عرض الحائط بالحصار الاميركي المفروض على فنزويلا، وتهديداتها الهمجية والمخالفة للقانون الدولي في ظل سكوت العالم الذي يرفع شعار القانون الدولي والمجتمع الدولي، ويبكي على نقض حقوق الحيوان و ينسى ملايين البشر هنا وهناك محاصرين ومعزولين اقتصادياً وطبياً وغذائياً تحت التهديد الاميركي.

حبس العالم أنفاسه الى أن وصلت هذه الناقلات مقصدها خوفاً من أيّ تطور دراماتيكي نتيجة تصرف أميركي عدواني يسبّب اندلاع حرب لا حدود لها؛ في حين أن ايران كانت مطمئنة بأن أمراً لن يستجد لكونها اتخذت قرارها مستندة على قوتها الردعية، و تصرفت بما هو حقّها في اطار القانون الدولي، ولأنّ إيران اتخذت قرارها من منطلق العزة والقوة والحكمة، وكبلد يتمتع بالاستقلال والحرية، و في كل هذا يعود الفضل إلى الإمام الخميني و نهجه الذي رسمه للجمهورية الاسلامية ولشعب إيران مستمراً بقيادة خليفته الامام علي الخامنئي.

الإمام روح الله الخميني الذي نعيش أجواء الذكرى السنوية لرحيله قاد الثورة الاسلامية الايرانية حيث الشعب حينها التفّ حوله رافعاً شعار “الاستقلال والحرية” و “لا شرقية ولا غربية”، هكذا انتصرت الثورة بإسقاط أقوى وأهم دولة حليفة للولايات المتحدة الاميركية في المنطقة، وأسّس نظاماً سياسياً فريداً من حيث الشكل والمضمون لتحقيق أهداف الثورة في الاستقلال والحرية وقطع أوصال التبعية السياسية والاقتصادية والصناعية والعلمية لأميركا؛ إذا لم يكن الامام يقصد الاستقلال السياسي بحدّ ذاته، بل الاستقلال كمنظومة كاملة متكاملة لصيرورة المجتمع إلى الافضل علمياً وتقنياً وثقافياً واقتصادياً وكل مناحي الحياة، فهو أيضاً لم يكن يقصد القطيعة مع العالم، بل كان يهمه عدم التبعية وعدم ربط مصير بلاده بإرادة الخارج، ومن أجل تحقيق هذا الأمر كانت الخطوة الاولى خطوة ثقافية لأنّه برأي الإمام الخميني الثقافة هي أساس كلّ شيء في المجتمع ونيل الاستقلال يتطلب تغيير الرؤية والنمط الفكري للشعب عامة وللنخب خاصة، وبمعنى آخر يتطلب إلغاء ثقافة إنكار الذات المترسخة في مجتمعاتنا بفعل القوى الاستعمارية واستبدالها بثقافة الثقة بالنفس، فكان الإمام يرى بأنّ: «الثقافة هي أساس الأمة، هي أساس الهوية الوطنية للشعب، هي أساس استقلال أيّ شعب، ومن أجل هذا نرى كيف حاول المستعمرون جعل ثقافتنا ثقافة استعمارية، وبدعاياتهم أخافونا من أنفسنا لكي لا نثق بذواتنا، فإذا مرضنا كنا نقول يجب المعالجة في الخارج، مع وجود أطباء أكفاء في البلد، وكنا نعتقد أنه يجب أن يدير جيشنا الأجانب ويدير نفطنا الاجانب، لقد غسلوا ادمغتنا وقتلوا ثقتنا بأنفسنا”.. كان الامام يلحظ للثقافة دوراً محورياً في الميل الى الاستقلال، و كان يعتقد أن “الثقافة هي أهم وأرقى عامل مؤثر في وجود أيّ مجتمع، والثقافة هي التي تصنع الهوية للمجتمع، فإذا انحرفت سيصبح المجتمع أجوف ولو كان قوياً اقتصادياً وصناعياً وعسكرياً».

من أجل هذا رفع الامام شعار “نحن نستطيع”.. وله كلمات كثيرة في هذا المعنى في خطاباته، حيث في السنوات الاولى بعد انتصار الثورة الاسلامية ركّز الامام الخميني على إعادة روح الثقة بالنفس الى الشعب والنخب، وتثبيت ثقافة “نحن نستطيع”، فكانت كلماته الموجهة الى الشعب بسيطة ومؤثرة وبعيدة من التعقيد، ومن جملة ما قال في هذا الشأن وفي كلمات مختلفة خلال مرحلة اعادة بناء المجتمع الايراني بعد الثورة:

«إذا أراد شعب امراً سيحققه حتماً، الآن يريدون استمرار الوضع السابق في ايران ويلقّنون نحن لا نستطيع ولسنا متخصصين وعلومنا ناقصة، لا ليس هكذا الدول التي استطاعت أن تتقدم وتتطور مثل اليابان، في البداية لم يكونوا بالمستوى الحالي ولكن جهدوا حتى أصبحوا ينافسون أميركا ويبيعون منتوجاتهم في أميركا، وحققوا ما كان يعتبر لا يمكن، أو الهند التي تقدمت وتطورت لأنّها قبلت فكرة وجوب عدم التبعية».

 وفي الاتجاه نفسه قال في كلمة أخرى: «يجب أن نفهم بأننا لا ينقصنا شيء عن الآخرين، نحن ضيّعنا أنفسنا ويجب أن نجد هذا الأنا المفقود، ويجب أن نلغي بالقوة فكرة إذا تركنا الأجانب سنموت.. إذا اعتقدنا بأننا نستطيع أن نعمل أي شيء سنصبح أقوياء».

«يجب ألا نكتفي بـ (إن شاء الله وبسم الله والدعاء) بل يجب أن نعمل، نعمل في الجامعة ونعمل في المؤسسات، يجب أن نغير النمط الافرنجي الى نمط شرقي وانساني واسلامي».

«يجب من الآن نبني على أساس نحن بشر لنا لغتنا نتحدث بلغتنا وبعلومنا، لا أدعو بعدم الأخذ بعلوم الآخرين أو عدم تعلم علوم الآخرين، بل أدعو بأخذ ما هو الافضل وترك ما لا يفيد. يجب أن نفكر نحن بأنفسنا نبني ونمتلك العلوم مثل بعض الدول الأخرى التي تعلمت و أخذت العلم من الخارج، ومن ثمّ أصبحت أفضل من غيرها تدريجياً. اليابان والهند عملتا هكذا».

هذه المواقف والتصريحات للإمام الخميني والتي لطالما تكررت، تمت قراءتها من قبل اركان الحكومة في إيران لاعتمادها كدستور عمل، وترسيم معالم استراتيجية إعادة بناء المجتمع الايراني المحرّر جديداً من التبعية للخارج، و قد تمّ تحويلها الى استراتيجية نهوض إيران العلمي والاقتصادي والصناعي والتقني والثقافي تحت العنوان العريض: “إحياء الحضارة الاسلامية”، وبهدف تطبيقها تم تدوين برامج طويلة الأمد ومتوسطة الأمد وقصيرة الأمد، واتخذ القرار من السلطات العليا بالالتزام بهذه الاستراتيجية وبرامجها التنفيذية بكل الأحوال وفي كل الظروف، وهكذا شهدت إيران حركة مستمرة للارتقاء بقدراتها العلمية والصناعية والتقنية رغم الظروف الصعبة التي كانت تفرض على ايران من حرب واضطرابات واغتيالات وحصار اقتصادي و… وهكذا بعد أربعين عاماً من العمل الجاد والدؤوب، أخذت إيران مكانتها في المراتب الاولى عالمياً في الكثير من العلوم والتقنيات باعتراف المؤسسات الدولية المعنية، وهذا بفضل الامام الخميني الذي رسم الخطوط العريضة لنهوض ايران حضارياً، وثبّت ثقافة نحن نستطيع في المجتمع الايراني، وبثّ روح الثقة بالنفس في نفوس الشعب والنخب. التقدم والتطور الذي حققته ايران الى جانب الاستقلال السياسي جعلها تأخذ قراراتها مطمئنة ومقتدرة.

لا يسعنا في هذه الذكرى الجليلة إلا أن نذكر الإمام الخميني بكل إجلال وتقدير واحترام، فهو راحل لم يرحل، استنهض همم أبناء بلاده لصناعة تاريخ جديد يليق بها، بعد أن اعترتها عوامل الخمول والاستكانة بفعل مؤامرة القوى الاستعمارية، ومن ثم لتتحول نهضته التي قادها إلى إنتاج نهج المقاومة ليكون ملاذاً للمظلومين والمحرومين؛ فكان الإمام الخميني بحقّ “استحقاق أمة” وهي اليوم تواجه تحديات خطيرة تمسّ وجودها.. إن الأثر الكبير الذي أحدثه قبل أكثر من أربعة عقود يؤتي أكُله اليوم، لذا سيبقى ماثلاً ليس في إيران وحدها، ولا بالمنطقة فحسب بل ستظلّ بصمته الإنسانية في العالم أجمع.

آخر الأخبار
الفرملي: تنسيق مع منظمتي "بلا حدود" و "حماية المدنيين" لتقديم منحة لدعم التأمين الرقمي  أهالٍ من القنيطرة يحتفلون برفع العقوبات عن سوريا احتفالات  في حمص برفع العقوبات رئيس اتحاد غرف التجارة السورية : رفع العقوبات سيسهم في عودة الاقتصاديين إلى وطنهم وتدفق الاستثمارات رئيس غرفة صناعة دمشق لـ"الثورة": رفع العقوبات هو التحرير الثاني لسوريا خبير اقتصادي  لـ"الثورة": رفع العقوبات يفتح باب الاستثمار ويحسّن مستوى الدخل الاقتصاد السوري بعد 13 أيار ليس كما قبله...  خربوطلي لـ"الثورة": فرص الاستثمار باتت أكثر من واعدة ماذا بعد رفع العقوبات..؟ الدكتور عربش لـ"الثورة": فتح نوافذ إيجابية جداً على الاقتصاد نائب وزير الطوارئ لـ "الثورة":  حرائق الغابات التهمت 150 هكتاراً جامعة دمشق تناقش أهمية إدخال تقنيات  الذكاء الاصطناعي في عملية صنع القرار لتقديم أفضل مرور إنترنت في سوريا  الاتصالات تطلق مشروع "سيلك لينك" احتفالات كبيرة في طرطوس برفع العقوبات.. وإعادة التعافي للقطاعات  الشيباني: قرار ترامب برفع العقوبات نقطة تحول محورية للشعب السوري الأمم المتحدة ترحب بقرار ترامب رفع العقوبات على سوريا ترامب يعلن من الرياض رفع العقوبات عن سوريا "الاقتصاد والصناعة" تمنع تصدير الخردة الزراعة" و"أكساد" تطلقان دورة تدريبية لتشخيص الديدان الكبدية والوقاية منها إخماد حرائق غابات ريف اللاذقية انتهى.. والتبريد مستمر يوم حقلي لملاءمة أصناف القمح مع بيئة الشمال  الصحة: دعم الجهود الوطنية في التصدي لتفشي الكوليرا