التمييز العنصري إرث أميركي.. وحماقات ترامب تؤججه

ثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:

لم تكن جريمة مينابوليس المقززة، التي أدخلت الولايات المتحدة الأميركية وإدارة ترامب في مأزق كبير قد يطيح بطموحاته للحصول على ولاية ثانية، معزولة عن السياق العام للسياسة العنصرية المتجذرة في التاريخ الأميركي، بل كانت امتداداً طبيعياً لسلوك سادي أتقنه المستعمرون البيض منذ أكثر من قرنين من سيطرتهم على الحياة الاجتماعية والسياسية في هذه البلاد، وسنهم تشريعات وقوانين تكرس غطرستهم وتفوقهم العرقي.

فقد كانت البداية عبر إبادة السكان الأصليين من الهنود الحمر على يد هؤلاء المستعمرين ليصبح بعدها التمييز العنصري ضد الملونين من باقي مكونات الأميركية جزءاً من السلوك الأميركي بالرغم من محاولات قليلة لوضع حد له باءت بالفشل، حيث لاقى أصحابها مصيراً دموياً نتيجة مطالبتهم بحقوق باقي الأقليات الملونة وخاصة ذوي الأصول الأفريقية الذين تم التعامل معهم كعبيد في البداية، ورغم إلغاء العبودية مازال ينظر إليهم نظرة عرقية من قبل جماعات بيضاء متطرفة تترجم بعمليات قتل وتعذيب واضطهاد من قبل أجهزة الدولة الرسمية.

وما جرى مؤخراً من قبل إدارة ترامب الذي أطلق تهديدات باستخدام العنف والرصاص ضد المحتجين على الجريمة النكراء وأدلى بتصريحات مستفزة مهينة بحقهم، ما فاقم الأمور في عدد من الولايات الأميركية وجعل الأمور تخرج عن السيطرة، وتترجم إلى أعمال عنف وحرق ونهب، ما كانت لتحدث لو أن سكان هذه الولايات من الأقلية السوداء يعاملون كمواطنين لهم نفس حقوق شركائهم البيض، فالفقر والإهمال وقلة الوظائف والتمييز العنصري كلها أسباب مباشرة لما شهدته الولايات المتحدة في الأيام الماضية.

وإذا ما استمر ترامب بنفس سياسته الحمقاء ونفذ تهديداته المعلنة فربما ينقلب السحر على الساحر وتذوق الولايات المتحدة ما ذاقته بلدان أخرى نتيجة التدخلات الأميركية الفظة والعدائية في شؤونها الداخلية.

لدى نبش الذاكرة الأميركية سنكتشف أن العنصريّة موجودة في الولايات المتّحدة منذ الحقبة الاستعمارية، حيث أُعطي الأمريكيّون البيض امتيازات وحقوق انحصرت بهم فقط دوناً عن كلّ الأعراق الأخرى، في قضايا التّعليم والهجرة وحقوق التّصويت والمواطنة وحيازة الأراضي والإجراءات الجنائيّة طوال التّاريخ الأمريكي، في مقابل معاناة العديد من المكونات الأخرى من حالة الإقصاء وغيرها من أشكال التمييز وذلك حتّى أواخر القرنِ التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كما واجه المهاجرون من جنوب وشرق وجنوب شرق آسيا من التمييز العنصريّ أيضاً.

كما اشتملت العديد من المؤسّسات الرئيسيّة في الولايات المتحدة على الأساس العنصري والعرقي وعلى العبودية والفصل العنصري، وظهر ذلك في قوانين الهجرة والتجنيس، وفي معسكرات الاعتقال، ورغم حظر سياسة التمييز العنصري الرسميّة بشكلٍ واسعٍ في منتصف القرن العشرين، لكونها غير مقبولة اجتماعيا وأخلاقيّاً، إلا أنها ظلت ظاهرة لا تخطئها العين، حيث لا تزال تنعكس في عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، ويمكن ملاحظتها في التّوظيف والإسكان والتعليم والإقراض وكذلك الحكومة.

وترى الأمم المتّحدة وشبكة حقوق الإنسان الأميركيّة أنّ “التمييز في الولاياتِ المتّحدة يتخلّل جميع جوانب الحياة ويمتدّ إلى جميع الأعراق غير البيضاء”، في المقابل رأى بعض الأميركيين أنّ ترشيح باراك أوباما للرئاسة كأول رئيس أسود للولايات المتحدة لفترتين رئاسيتين متتاليتين من عام 2008 إلى عام 2016 كان دليلاً على دخول الأمّة في عصرٍ جديد، لكن انتخاب دونالد ترامب في عام 2016 كرئيسٍ للولايات المتّحدة وُصف على نطاق واسع بأنّه ردّ فعلٍ عنصريّ ضدّ انتخاب باراك أوباما.

لقد عانى المجتمع الأميركي من مستويات عالية من العنصريّة والتمييز خلال العشر سنواتٍ الأولى من الألفية الثالثة، فكانت إحدى الظواهر الجديدة في المجتمع هي صعود حركة اليمين البديل (alt-right) وهي عبارة عن تحالف قومي أبيض يسعى إلى طردِ الأقلّيّات الجنسيّة والعرقيّة من الولايات المتحدة.

في شهر آب من عام 2017 حضرت هذه المجموعات مسيرة في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا، وكانت تهدف إلى توحيدِ مختلفِ الفصائل القوميّة البيضاء ضد الأقليّات العرقيّة، وخلال تلك المسيرة قاد متظاهر عنصريّ أبيض سيّارته باتّجاه مجموعةٍ من المتظاهرين المضادّين ما أسفر عن مقتل شخصٍ واحد وإصابة 19 آخرين.

واعتبرت وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي منذ منتصف عام 2010، أنّ العنف العنصري الأبيض هو التهديد الإرهابي الداخلي الرئيسي في الولايات المتحدة، لكن المفارقة الكبرى هي أن ترامب الذي اعتبر دفاع السود عن حقوقهم إرهاباً، وهدد بتصنيف حركة “أنتيفا” كمنظمة إرهابية لأنها ساهمت بدور قيادي في الاحتجاجات التي شهدت أعمال عنف وحرق ممتلكات، والغريب أن ترامب نفسه يدعم الإرهابيين في أكثر من منطقة في العالم وخاصة في الشرق الأوسط ولا يصنف من يقومون بأعمال القتل والتدمير والتخريب وحرق المحاصيل الزراعية وسرقة النفط بالإرهابيين، بل على العكس تماماً تقوم إدارته بتقديم كل أشكال الدعم والمساعدة كما لو أنهم حركات تحرر وطنية..؟!.

لقد أصبح من الواجب على الشعب الأميركي وعلى العالم أيضا أن يسألا ترامب، الذي ظل دائماً وفي أوقات الاضطراب يقدم نفسه وحكومته مؤيدين للاحتجاجات في دول أخرى، لماذا عندما تكون بلاده في نفس الوضعية يأمر الجيش الأميركي بقمع الاحتجاجات الشعبية بقوة ويصدر أوامره بإطلاق النار عليهم؟!.

ما يجري اليوم في الولايات المتحدة من قمع واعتقالات وإطلاق رصاص ودهس متعمد للمحتجين يعري زيف ادعاءاتها حول حقوق الإنسان ويكرس صورتها العنصرية البغيضة، وترسخ التناقض الصارخ في سياستها حيال ما يجري على أراضيها وفي مناطق أخرى.

 

 

آخر الأخبار
رئيس اتحاد غرف التجارة السورية : رفع العقوبات سيسهم في عودة الاقتصاديين إلى وطنهم وتدفق الاستثمارات رئيس غرفة صناعة دمشق لـ"الثورة": رفع العقوبات هو التحرير الثاني لسوريا خبير اقتصادي  لـ"الثورة": رفع العقوبات يفتح باب الاستثمار ويحسّن مستوى الدخل الاقتصاد السوري بعد 13 أيار ليس كما قبله...  خربوطلي لـ"الثورة": فرص الاستثمار باتت أكثر من واعدة ماذا بعد رفع العقوبات..؟ الدكتور عربش لـ"الثورة": فتح نوافذ إيجابية جداً على الاقتصاد نائب وزير الطوارئ لـ "الثورة":  حرائق الغابات التهمت 150 هكتاراً جامعة دمشق تناقش أهمية إدخال تقنيات  الذكاء الاصطناعي في عملية صنع القرار لتقديم أفضل مرور إنترنت في سوريا  الاتصالات تطلق مشروع "سيلك لينك" احتفالات كبيرة في طرطوس برفع العقوبات.. وإعادة التعافي للقطاعات  أهالٍ من درعا لـ"الثورة": رفع العقوبات خطوة كبيرة لبناء سوريا الجديدة الشيباني: قرار ترامب برفع العقوبات نقطة تحول محورية للشعب السوري الأمم المتحدة ترحب بقرار ترامب رفع العقوبات على سوريا ترامب يعلن من الرياض رفع العقوبات عن سوريا "الاقتصاد والصناعة" تمنع تصدير الخردة الزراعة" و"أكساد" تطلقان دورة تدريبية لتشخيص الديدان الكبدية والوقاية منها إخماد حرائق غابات ريف اللاذقية انتهى.. والتبريد مستمر يوم حقلي لملاءمة أصناف القمح مع بيئة الشمال  الصحة: دعم الجهود الوطنية في التصدي لتفشي الكوليرا ترامب سيقدم رؤيته للمنطقة.. ودعوات أميركية لرفع العقوبات عن سوريا تحويلة  سد الرستن بالخدمة