«من الأوتوفوبيا إلى النوموفوبيا»

من المشاعر والأحاسيس ما يصعب على المرء التحكم به، ومن الخوف ما يمكن له أن يتحول أحياناً إلى نوع من الرهاب، أي الخوف الشديد من شيء، أو أمر ما.. ومَنْ من الناس لم يختبر هذا ولو لمرة واحدة، أو لم يتعرض إلى مثل هذه الأحوال قليلاً أو كثيراً؟.. وسواء أكان ذلك الخوف الذي يسمى بالرهاب، أو (الفوبيا) مبرراً أم غير مبرر فهو يصيب الأفراد، وقد يصيب الجماعات أيضاً.. إلا أنه يتنوع في مسمياته، ويتبدل حسب البيئات التي نعيش فيها، كما الأزمنة التي تغيّر من أحوال البشر.

قبل عصر الحاسوب، وشبكة المعلومات ما كنا نعرف كثيراً من التسميات التي رافقت ظهورهما.. وها نحن أصبحنا نتعرف إلى أنواع جديدة من الأمراض الجسدية، أو النفسية التي تصيب بسببهما.. كيف لا وقد اجتاحنا (الفومو) من قبل وهو الخوف من أن يفوتنا شيء من القصص والأخبار التي تنشر على صفحات التواصل الاجتماعي حتى أصبحت تلك الصفحات أكثر اقتراباً من أعيننا، ومن مساحة الرؤية التي تسمح بها.

أما وقد وصلنا إلى الزمن العجيب الذي تتفجر فيه التطورات العلمية، والاختراعات التقنية في كل مجال من جهة، ومن جهة أخرى يحاصرنا فيه وباء لم نعرف بعد كيف نتخلص منه، فإن لنا مبرراتنا إذا ما أصابنا رهاب الوحدة والانفراد (الأوتوفوبيا) بعد أن عُزلنا عن بعضنا بعضاً طوعاً، أو كرهاً، وأصبحنا أسرى مخاوفنا.. ولكن.. ماذا من أمر (النوموفوبيا) وترجمتها بأنها (رهاب فقدان الهاتف المحمول)، التي باتت تسري بيننا جميعاً أو على الأقل بين أغلب الناس وهم يتحسسون باستمرار جهازهم الذكي الصغير القابع في المحافظ، أو في الجيوب بين لحظة وأخرى خوفاً من فقده وضياعه، أو نسيانه في زوايا الأماكن، وقد أصبح لصيقاً بنا وأقرب إلى أجسادنا من تلك القطع القماشية التي أُجبرنا على ارتدائها فوق الوجوه بعد أن وصلنا إلى أزمان الأوبئة الغامضة.. والهلع يصيب مَنْ فقد هاتفه، أو نسيه ولو في منزله، وكأنه -أي ذلك الجهاز الصغير- صمام الأمان الذي يحمي، أو أنه النجدة التي تسعف عند كل مأزق.

بل كيف لا تصيبنا (النوموفوبيا)، بينما العالم ينادي بضرورة العزل دون العزلة؟ فماذا نحن فاعلون إذا ما انقطعت شبكة الاتصال، أو وجدنا أنفسنا خارج نطاق تغطيتها، ولا سبيل لاستخدام هواتفنا وهي نافذتنا التي تصلنا بأبناء جنسنا.. ألن يتمكن منا الخوف عندئذ بدلاً من الطمأنينة؟.. ومن رهاب الفقدان ما يتسبب لنا بالتالي بما هو مبرر من رهاب الوحدة والانفراد بعد أن جمعتنا التكنولوجيا، وقربت بيننا حتى أصبح العالم مكاناً واحداً يتسع لنا جميعاً، وبعد أن ألفنا هذه الحالة من التقارب، وغدا انفصالنا عن مجتمعات تضمنا أمراً عسيراً في وقتنا الحالي كما لم نكن عليه من قبل زمن التواصل فيما بيننا افتراضاً، أو حقيقة.

ولكن لماذا أصبحنا نعلق مصائرنا على أجهزة ذكية هي في حقيقتها ليست أكثر ذكاء وحيلة من الإنسان نفسه الذي اخترعها، وأوجدها؟.. وكنا قبل ظهورها في حياتنا أكثر مقدرة على التعايش مع أحوالنا، وتدبير أمورنا.. فما الذي سلبته منا تلك الأجهزة؟ ما أظنه إلا سؤالاً مشروعاً ونحن نقبل على عصر جديد هو عصر ما بعد (كورونا) الذي ستحل فيه الآلة بقوة محل الإنسان في كثير من الوظائف، والمهن ليصبح (الروبوت) سيداً في مجاله، ودائرة وجوده، ولو أنه يأتمر بأمرنا، بينما ينتقل الإنسان في عمله إلى مناطق أخرى ربما تكون لتصنيع المزيد من الآلات الذكية التي تحمل عبء الأعمال الثقيلة.

ونحن ننتقل من حال إلى حال وننتقل من (الأوتوفوبيا) إلى (النوموفوبيا) يبقى الإنسان لا يعرف المحال.. والعلم الذي جعل البشرية تقطع في مسيرتها كل هذه الأشواط لن يصعب عليه في نهاية المطاف أن يجد لنا الحلول التي تشفينا مما يجلب لنا الخوف، أو يأتي لنا بالداء.

(إضاءات) ـ لينــــــا كيـــــــلاني 

 

آخر الأخبار
مسؤولان أوروبيان: سوريا تسير نحو مستقبل مشرق وتستحق الدعم الرئيس الشرع يكسر "الصور النمطية" ويعيد صياغة دور المرأة هولندا.. جدل سياسي حول عودة اللاجئين السوريين في ذكرى الرحيل .. "عبد الباسط الساروت" صوت الثورة وروحها الخالدة قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل خرقها اتفاق فصل القوات 1974 "رحمة بلا حدود " توزع لحوم الأضاحي على جرحى الثورة بدرعا خريطة طريق تركية  لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع سوريا قاصِرون خلف دخان الأراكيل.. كيف دمّر نظام الأسد جيلاً كاملاً ..؟ أطفال بلا أثر.. وول ستريت جورنال تكشف خيوط خطف الآلاف في سوريا الأضحية... شعيرة تعبّدية ورسالة تكافل اجتماعي العيد في سوريا... طقوس ثابتة في وجه التحديات زيادة حوادث السير يُحرك الجهات الأمنية.. دعوات للتشدد وتوعية مجتمعية شاملة مبادرة ترفيهية لرسم البسمة على وجوه نحو 2000 طفل يتيم ذكريات العيد الجميلة في ريف صافيتا تعرض عمال اتصالات طرطوس لحادث انزلاق التربة أثناء عملهم مكافحة زهرة النيل في حماة سوريا والسعودية نحو شراكة اقتصادية أوسع  بمرحلة إعادة الإعمار ماذا يعني" فتح حساب مراسلة "في قطر؟ أراجيح الطفولة.. بين شهقة أم وفقدان أب الشرع في لقاء مع طلاب الجامعات والثانوية: الشباب عماد الإعمار