بعد أن تقلصت أعداد معارض الكتب على الساحة العربية بسبب أزمة الوباء وقع الناشر العربي في سلسلة من الصعوبات ليس أولها ارتفاع تكاليف الطباعة، ولا آخرها مشكلات التسويق من حيث صعوبة الوصول إلى جميع القراء بعيداً عن المعارض السنوية، وهي التي تنفتح عادة ساحاتها واسعاً على جمهورها من محبي الكتاب بما يحفز، ويدعو إلى اقتناء الكتاب من بين عناوين لا حصر لها تفرد أمام القراء ليختاروا منها ما يثير اهتمامهم.. هذا بإلإضافة إلى التحول باتجاه الكتاب الرقمي المجاني، والآخر المسموع المتوافر من خلال شبكة المعلومات كبديل للكتاب الورقي لدى شريحة واسعة من القراء، مما دفع الناشر بدوره للجوء إلى المعارض الافتراضية عبر المنصات الإلكترونية لتحل محل الأخرى المؤجلة إلى أجل غير مسمى كحل بديل، ولو مؤقتاً حتى لا تضيع جهوده فيما نشر من كتب ورقية.
إلا أن تعثر النشر لم يقتصر على الناشر فقط، بل إنه وصل إلى الكاتب أيضاً الذي أرهقته العزلة الإجبارية بسبب الجائحة فتأثر بالتالي نشاطه الإبداعي إلا من قلة قليلة من الكتّاب ممن أثارت شهيتهم الأوضاع غير الاعتيادية التي سادت العالم ليكتبوا عن تلك التجربة الاستثنائية التي عاشوها، أو ممن وجدوها فرصة لينجزوا ما تأخر من أعمالهم الأدبية، ولو كانت طريق النشر لتلك الأعمال الجديدة غير ممهدة كما في سابق عهدها.
أما القارئ الذي تعرض لمختلف أنواع الأزمات، والضوائق الاقتصادية بسبب ما عطله الوباء من مصالحه فقد تغيّر مسار اهتماماته بحيث لم يعد الكتاب من أولوياته بعد أن اضطر لأن يتحول عنه باتجاه أولويات أخرى للإنفاق، كل هذا وأكثر يضاف إليه ضعف الإقبال عموماً على القراءة بسبب استلاب لهو التكنولوجيا للناس.
لكن واقع الحال يقول ما إن فتحت معارض الكتاب أبوابها من جديد، باعتبارها مشروعاً ثقافياً باتجاه المعرفة في كل مجالاتها، حتى تدفق القراء بلهفة إلى أجنحتها، وانتعش الكتاب الورقي بيعاً، وشراءً، وتداولاً كبضاعة رائجة، ولو أن حركتها تباطأت بعض الشيء في وقت سابق في خط إنتاجها، وتسويقها عما كانت عليه قبل الإجراءات الاحترازية الطارئة إلا أنها لم تتحول إلى بضاعة كاسدة، والندوات الثقافية تعقد لأجل الكتاب، والمتابعات الإعلامية تحتفي بعودته إلى دائرة النور بعد وقت من الغياب.
صحيح أن بعض الناس مازالوا ينتمون إلى ذلك المجتمع الذي يعتبر الكتاب الورقي ضرورة لا يلغيها مثيله الإلكتروني، ولو كان الحصول على هذا الأخير أقل صعوبة، وتكلفة، وصفحاته تتوافر بالمجان على شبكة المعلومات، إلا أن ارتياد هؤلاء لمعارض الكتاب لا يقتصر على شرائه فقط، فالمعرض لا يكتفي بأرفف، وأجنحة للعرض بأساليب حديثة تسهل الوصول إلى الكتاب المطلوب، وتوفر للزائر أيضاً من حديث الكتب ما لا يتوافر بسهولة لدى المكتبات، بل إنه أي المعرض يجدها فرصة ثمينة ليبادر من خلالها بعقد ندوات فكرية، ولقاءات أدبية مع كتّاب ومفكرين، تتخللها حفلات للتوقيع وقد أصبحت رائجة في وقتنا الحالي، وملتقيات ثقافية لا تقل أهمية عن قراءة كتاب.
ويضاف إلى كل هذا ما هو من المهم أيضاً حيث تفسح معارض الكتاب الفرصة لتوقيع عقود النشر، وعقود الترجمة مع الناشر الأجنبي إذا ما كان مشاركاً، مما قد لا يتاح خارجها، إضافة إلى المنافسة على الجوائز، كما أن المعرض باعتباره فضاءً مفتوحاً على كل الثقافات، والأجناس الأدبية فإنه بحد ذاته يصبح مؤشراً مهماً للحركة الثقافية في المجتمع، وما يستجد على ساحتها فهو يعطي أرقاماً لا يذهب إحصاؤها هباءً كعدد زوار المعرض، ونسبة المبيعات فيه، وأرقام المشاركات في الندوات، ونوعية الكتب التي وجدت لها رواجاً وإقبالاً من الجمهور، كما الفئة العمرية التي أقبلت على الشراء ولو ارتفعت أسعار المبيع.
أرقام ومؤشرات توضع في الحسبان ليؤخذ بها مستقبلاً فيما سيأتي لاحقاً من معارض للكتاب.. فالكتاب ليس في أزمة بل أنه دوماً يتعافى ولو مرَّ في أزمة.
(إضاءات) ـ لينــــــــا كيـــــــــلاني
* * *