ثورة أون لاين -عزة شتيوي:
هل يفشل ما يسمى قانون “قيصر” في تمرير أهداف واشنطن في سورية والمنطقة ؟كل المؤشرات تدل على أن محور المقاومة بدأ في إنزال ترامب عن كرسي (قيصر)،وصد الهجمات النفسية الأولية للعقوبات داخل الدول المستهدفة وإن حاول البيت الأبيض زيادة التصعيد سواء في سورية حيث يستهدف هجوم مرتزقته ( قسد) على الحسكة مراكز الحبوب بما يتكامل مع نيات ترامب تجويع الشعب السوري، أو حتى في العراق ورمي واشنطن للفتنة هناك ومحاولاتها البائسة عزل المقاومة أو نزع سلاحها بالضغط الاقتصادي كما هو المشهد الحالي في لبنان.كل ذلك يهيؤه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجعل رياح المنطقة تسير بما تشتهي سفينة عقوباته (القيصرية)،لكن الوقائع والمعادلات التي رافقت إعلان قانون العقوبات المشدد تذهب بالمشهد إلى حيث لا يرغب ترامب وتفلت حساباته.
ففي سورية يأتي (قيصر) وسط نضج المقاومة الشعبية، وبعد تعاف لمعظم الأراضي السورية من الارهاب، ونحن الأقوياء في الميدان، أقوياء في السياسة والاقتصاد رغم احتلال واشنطن لشريان النفط السوري في منطقة الجزيرة للضغط أكثر بالتزامن مع “قيصر” ، إلا أن دمشق تسعى لتحويل العقوبات إلى فرصة لتمكين اكتفائها الذاتي على جميع الأصعدة، وسورية بلد زراعي واحتلت مراكز عالمية في الإنتاج، وحرق واشنطن للمحاصيل ليس الا خطوة غبية ستزيد من المقاومة الشعبية الملتحمة بقوة الجيش العربي السوري ،كما أن واشنطن لا تواجه سورية بمعزل عن محيطها المقاوم وعلاقاتها العميقة مع دول حول العالم ترفض العقوبات وترى فيها جريمة حرب أميركية جديدة، وربما هذا ما ألمحت اليه الدبلوماسية السورية عندما تحدثت عن علاقات دمشق مع الامارات، وأشارت الى دور مصر في المنطقة، ناهيك عن دور المقاومة اللبنانية وإيران وروسيا والصين ،فبكين وموسكو لا تأبهان الى عقوبات ترامب بحكم دور بلادهما كقوى عظمى، وبحكم ان المراهنات الأميركية الطويلة على مكاسرة في المنطقة جاء معاكسة لما تريده واشنطن ببزوغ أقطاب عالمية متعددة قادرة على إيقاف ترامب عند حدود سياسته الرعناء.
فالرئيس الأميركي المدجج بالعقوبات لا يواجه معاكسة الأحداث له في سورية فقط بل ومع حلفائها أيضا وخاصة في البلدان المجاورة كالعراق مثلا، هناك حيث يحاول البيت الابيض إغلاق الرئة العراقية لسورية فيواجه مشكلات سياسية وميدانية كبيرة تضع الوجود الاميركي كله في العراق على المحك خاصة أن البرلمان العراقي أقر بخروج القوات الاميركية وإغلاق قواعدها، لذلك تبقى مراهنة ترامب على بعض التيارات التي صنعتها في العراق ضعيفة بعد أكثر من سبعة عشر عاما لغزو أميركا وقتلها أكثر من مليوني عراقي .ما يدل على أن الإقامة الطويلة لواشنطن كمحتل في بلاد لا تملك فيها بيئة سياسية أو حتى ميدانية يأتي بمفاعيل عكسية ولا يمكنها من قضم السيادة العراقية أو حتى العبث بقرارها تجاه تحالفاتها، فكيف يجبر ترامب بغداد على قطع السبل مع دمشق والاشتراك بمحاصرتها خاصة أن دول التحالف هناك في العراق انسحبت وبدأت تتراجع منذ أن أوصل الرئيس الأميركي التصعيد الى ذروته باستباحة أرض العراق لاستهداف الجنرال سليماني ومعه أكبر رموز المقاومة في العراق ،لذلك انسحبت ما تسمي نفسها دول التحالف للقضاء على داعش عندما خلع ترامب قناع محاربة التطرف ليظهر وجه التدخل بشؤون الدول بشكل سافر وفاضح تحارب به واشنطن كل القوى التي تقاتل داعش على أرض الواقع والحقيقة .
ما فعلته واشنطن بجريمة اغتيال الجنرال سليماني وما ترتب على ذلك من اضطرابات سياسية وعسكرية جعل الكثير من حلفاء ترامب يتراجعون عن خطوط سياسته والمشي في ألغامها خاصة ان طهران ضربت القاعدة الأميركية في عين الأسد في العراق وأصابت عيني ترامب وتسببت برمد حلفائه السياسي.
هذه الظروف التي يدخل فيها ما يسمى قانون قيصر على خط المرحلة تعاكس مفعوله بشده وقد يزيد من تحلله وتهشمه ما ينوي ترامب اهداءه “لإسرائيل” بضم الضفة وغور الأردن والمستوطنات، فهنا أيضا مكسر عصا آخر للرئيس الاميركي الذي يحرج نفسه ويزيد عزلته السياسية بمحاولة تصفية القضية الفلسطينية التي هي من أقدم القضايا الأممية ولها خصوصية عالية تحرج أصدقاء ترامب من العرب والأوروبيين لأنهم لن يستطيعوا تمرير كل ما يريده الرئيس الأميركي والخروج عراة حتى من إرثهم السياسي وتأييد كل ما تفعله واشنطن لذلك ربما تنأى دول بنفسها عن الموافقة على “قيصر” وربما تصرخ دول أخرى لتقول لن نستطيع محاصرة كل هذه الدول “بقيصر” أو “بصفقة القرن” فرفع كل هذه الاثقال السياسية قد يطيح بالتوازنات السياسية ويوصل المرحلة الى مواجهات كبرى.
قد تكون فترة ما سمي بالربيع العربي مهدت لمحاولة ترامب تمرير “صفقة القرن” واستغلال حالة الفوضى لصالح اعترافاته الباطلة بنقل السفارة الأميركية أو حتى ضم الجولان العربي السوري المحتل لصالح الكيان الإسرائيلي لكن هذه الخطوات الفجة والكبيرة أرهقت السياسة الأميركية وأرهقت حلفاءها أيضا يوم خسرت الرهان بأن هذه القفزات البهلوانية فوق دخان المنطقة وانشغال البلدان بشؤونها الداخلية سيمرر (الفيل أو الحمار )الأميركيان من حلقة النار بل ان انعكاسات ذلك على حال المنطقة شكل ما يعيق أي هدف أميركي آخر حتى لو كان حصار قانون “قيصر” .فسورية التي قاومت وصمدت وانتصرت على الإرهاب وتقاوم شعبيا وعسكريا كل أشكاله حتى الارهاب الاقتصادي منه تحظى اليوم برغبة عربية للعودة الى أسوارها وبمساندة دولية وإقليمية. في حين أن الضجيج الأميركي في العراق ولبنان يضع المطبات أكثر أمام عقوبات “قيصر” حيث يهرب حلفاء واشنطن من هذه المواجهات خاصة في أوروبا التي أوجعها وأهانها كثيرا تمزيق الاتفاق النووي ،فكيف تجلس تحت أقدام ترامب وهو على كرسي “قيصر” في المنطقة قد تذهب معه للمزيد من العقوبات على سورية تحت عناوين عدة؟ لكن أين تذهب في معاقبة لبنان والعراق وإيران وروسيا والصين ؟هل تطمر أوروبا وجهها بالطين الأميركي؟ ربما هذا سبب خروج المستشارة الألمانية انجيلا ميركل لتقول: إن عهد تفرد الولايات المتحدة بالقرار قد انتهى.