تزداد الكتب ودور النشر، وتزداد اللوحات الفنية، وتكثر الاسطوانات الموسيقية وتتعدد دور السينما والمسارح بفعالياتها، وتغزو العالم المحطات الفضائية والقنوات الإعلامية، وتنتشر بسرعة البرق شتى وسائل التواصل الاجتماعي عبر شبكات الانترنت…
فضاءات لا تعدّ ولا تُحصى من تكنولوجيا المعلومات والمعرفة والحراك الثقافي والفني ظلّ العالم يتحدّث عنه قروناً، وبقي ينتظر إنسان المستقبل وفكره وحضارته، واعتقد العلماء والمفكرون والفلاسفة أن التفوّق الصناعي الآلي والتفوق الصيرفي، وزيادة الإنتاج ستزيد من التقدّم الفكري والثقافي، وأن إنسان المستقبل هو إنسان مزوّد بفكر سليم في ظلّ سيادة الجماهير المثقفة، حيث إن ثقافته لن تقتصر على فئة قليلة، بل إن المجتمع الصناعي والصيرفي سيُتيح له انفتاحاً فكرياً ونهضة حضارية فكرية تضاهي كل الحضارات التي مرّت على مرّ العصور…
هكذا اعتقد أهل الفلسفة والفكر، اعتقدوا أن خصائص الحضارة الإنسانية بتفوّقها ستعترف بقيمة الإنسان، وستكون الصناعة والتقدم التكنولوجي فرصة للتقدّم العقلي الإنساني والتحرّر من الحاجات..
هذه نتائج طبيعية لإنسان يفكّر وهو موجود، ولكن العلاقات الأخلاقية والإنسانية بين الأمم قيّدت تلك النتائج وأبعدتها عن مسارها الطبيعي، وجعلت من إنسان المستقبل أي “إنسان اليوم” عبداً ومُستهلكاً لأشكال الصناعة والثقافة والحضارة الاستهلاكية الرخيصة وقذفت به إلى التهلكة…
المفكر والفيلسوف العربي (جبران خليل جبران) قال: «ويلٌ لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع» فحرّيٌّ بإنسان المستقبل – إنسان اليوم – أن يقلب نظام القوى، وأن تحلّ القوة الحقيقية، قوّة القانون بمفاعيلها وقواعدها النظرية والعملية..
رفع مقدرات الإنتاج الوطني المحلي وتخفيض نسب الاستهلاك العالمي تزيل قانون شريعة الغاب وقانون قوة السلاح المتمثلة بالكيان الصهيوأميركي، كما زالت قوة العثمانيين والفرنسيين والبريطانيين، وتسود حضارة إنسانية وثقافية وفكرية قوامها إنسان حرّ في مأكله وملبسه وتقرير مصيره وصون كرامته.
رؤية-هناء دويري