ثورة أون لاين- ترجمة ختام أحمد:
قبل خمسة وسبعين عامًا في مثل هذا الأسبوع، تجاوز العالم العتبة الجهنمية بإلقاء الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على اليابان. واكتسبت البشرية القدرة التكنولوجية على إلحاق الإبادة الجماعية الفورية.
لم يكن تدمير هيروشيما وناغازاكي إلى جانب أكثر من 200 ألف شخص – 90 في المائة منهم من المدنيين – عملاً عسكريًا لإنهاء الحرب العالمية الثانية، كما تريدنا الرواية الأمريكية الرسمية أن نصدقها، لقد كان عملاً سياسيًا لبدء الحرب الباردة، نفذه القادة الأمريكيون عمدًا لتأكيد هيمنة الولايات المتحدة على الاتحاد السوفييتي وكل القوى العالمية. لقد كان عملاً من أعمال القتل الجماعي الشيطاني المتعمد – الإبادة الجماعية – بهدف سياسي هو بث الرعب ضد جميع الخصوم الذين يقفون بوجه الهيمنة الأمريكية على العالم.
لقد تحقق العديد من المؤرخين، بمن فيهم علماء أمريكيون مرموقون، من أن القصف الذري لليابان لا علاقة له بالإنهاء السريع لحرب المحيط الهادئ و “إنقاذ أرواح الجنود والمدنيين في الولايات المتحدة”. لقد كان مجرد عمل همجي لايوصف لأهداف سياسية تتعلق بالفوز في الحرب الباردة المتوقعة، تم إسقاط القنابل في نفس الوقت الذي دخل فيه الجيش الأحمر السوفييتي شبه الجزيرة الكورية لزيادة القتال ضد القوات الإمبريالية اليابانية، كما تم الاتفاق عليه سابقًا من قبل ستالين وروزفلت وتشرشل في مؤتمر يالطا للحلفاء في زمن الحرب في شباط 1945. ومع ذلك في آب 1945 تحركت واشنطن ولندن بشكل كبير لتبني موقف أكثر عدائية ضد موسكو بهدف تحدي الاتحاد السوفييتي من أجل مناطق النفوذ في عالم ما بعد الحرب.
ليس هناك شك في أن القتل الجماعي العشوائي للمدنيين اليابانيين بسلاح جديد، فيه وحشية غير مسبوقة، وتم تنفيذها كدليل على القوة السيكوباتية من قبل الولايات المتحدة. باختصار كان هذا أكبر وأبشع عمل إرهابي في التاريخ ضد مدنيين. تسبب القصف الجوي البريطاني/ الأمريكي السابق للمدن الألمانية والقصف الأمريكي بالقنابل الحارقة على طوكيو في المزيد من الوفيات المتراكمة، لكن التدمير الهائل والمروع لهيروشيما وناغازاكي، قدم الولايات المتحدة على أنها رافعة إرهاب جديدة، فهي أدت إلى إبادة جماعية كاملة بالقنابل الذرية والنووية، ولأكثر من سبعة عقود عاش العالم في ظل كارثة نووية لا يزال صداها إلى الآن.
اليوم، تمتلك الولايات المتحدة كل أنواع السلاح النووي – وهو ما يمثل نسبة كبيرة من إجمالي ترسانة العالم. المخزونات الحالية أقل بكثير من حيث العدد مقارنة بالعقود الماضية، ومع ذلك فإن كل واحدة من هذه الأسلحة المعاصرة لها قوة تفجيرية عدة مرات من القنابل التي أُلقيت على هيروشيما وناغازاكي، من غير المعقول أن تنجو الحياة البشرية والكوكب من حرب نووية.
لهذا السبب، ولتجنب “الدمار المؤكد المتبادل”، تعاونت واشنطن وموسكو تاريخيًا لوضع العديد من معاهدات الحد من التسلح. لكن على مدى العقدين الماضيين، ألغى الجانب الأمريكي معاهدة تلو الأخرى، وتهدد إدارة ترامب بإلغاء الاتفاقية الأخيرة المتبقية، اتفاقية ستارت الجديدة التي من المقرر أن تنتهي في شباط من العام المقبل ما لم يتم تجديدها، الأمر الذي يبدو أن واشنطن غامضة بشأنه.
ليس هناك شك في أن الحرب الباردة قد عادت، ويمهد لها سلوك الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام الإخبارية الخاصة بالشركات الدعائية في السنوات الأخيرة، وفي الأسابيع الأخيرة اشتد تشويه سمعة كل من روسيا والصين إلى حد الجنون. إن جنون العظمة والعداء المنبثق من واشنطن تجاه موسكو وبكين يتساوى مع الهذيان والجنون الأمريكي تجاه الهنود الحمر في حقبة كارثية في الخمسينيات من القرن الماضي. وإن عودة عقلية الحرب الباردة إلى واشنطن تتزامن مع أزمات سياسية واقتصادية تعصف بالقوة الأمريكية بينما تتجه إمبراطوريتها العالمية المفترضة نحو الانهيار.
في هذا السياق يأخذ إحياء ذكرى هيروشيما وناغازاكي غرضا أكثر إلحاحاً، لا بد من الاعتراف بأن واشنطن استخدمت الإبادة النووية كسلاح إرهابي، وهي مستمرة في لعب نفس التكتيك الشنيع حتى يومنا هذا. لم يكن هناك اعتذار رسمي من واشنطن عن الجريمة البشعة التي ارتكبتها في آب 1945 لأن الحكام الأمريكيين أرادوا دائمًا الحفاظ على “الحق” في إرهاب الآخرين. إن إثارة الحرب الحالية من واشنطن تجاه روسيا والصين وسط اتهامات استفزازية لا أساس لها من الصحة، فضلاً عن حشد القوات العسكرية في مناطق حساسة على خلفية الحد من التسلح غير المقيد، كل ذلك يمكن أن يعني شيئًا واحدًا: واشنطن تحاول استخدام الإرهاب مرة أخرى كبطاقة لإخضاع الآخرين أثناء المخاطرة الشيطانية بالتحريض على حرب نووية، ويجب أن يعرف العالم أن السياسيين الأمريكيين والداعمين الإعلاميين لهم يتصرفون بشكل جماعي كرجل مجنون.
تعتمد القوة الأمريكية في النهاية على الإرهاب بحلول عام 1949 فقد احتكار واشنطن للإرهاب قيمته عندما طور الاتحاد السوفييتي سلاحه الذري. لكن روسيا والصين لن تتسامحا مع مثل هذا السلوك السيكوباتي، ولحسن الحظ، لديهما الوسائل الدفاعية لمواجهة التهديد المضاد . أخيرا تم الكشف عن التظاهر الأمريكي بالفضيلة، أمام الحقيقة القبيحة التي تكمن تحتها.
المصدر Strategic Culture