الثورة أون لاين ..حسين صقر:
غالباً ما يتم تكريم المتميزين من الأشخاص بعد رحيلهم عن هذه الدنيا، فلا يرون ذلك ولا يفرحون بطقوسه، ولا بما قدمته لهم الجهات الراعية لمثل تلك التقاليد، ما ينعكس سلباً على عطاء الآخرين، لأنهم يدركون تماماً أنهم لن ينالوا حظهم من التقدير و هم على قيد الحياة، وذلك أسوة بمن يرون تكريمهم بعد الممات، ويخاطبون أنفسهم قائلين: مهما قدمنا من أعمال، لن يتذكرنا أحد، وإذا حصل ذلك بعد الموت، فهيهات لمن يعيش تلك الحالة، ماذا سنجني نحن من ذلك، وقد رحلنا عن هذه الدنيا.
لذا فلتكريم المتميزين وهم على رأس عملهم، وفي صحتهم، و هم على قيد الحياة أثر مهم و كبير يدفعهم للعطاء والنجاح أكثر فأكثر، ويرسخ لديهم القناعة بأن هناك من يقدر جهودهم وتعبهم وتفانيهم في العمل.
إذاً فالتكريم ثقافة مجدية للأشخاص المتميزين، لأنه يرفع أداء من لا يتمتعون بهذا التميز، كما يدفع المتميزين أصلاً إلى بذل المزيد أو على أسوأ تقدير أن يحافظوا على مستواهم، كما يجعل المسؤولين والمديرين خلال التقييم الدوري للاعتماد على معايير واضحة لجميع الموظفين منها انضباطهم بوقت الحضور والانصراف وجودة العمل المؤدى.
والتكريم يدفع الشخص للإلمام بمجالات أخرى في العمل، أي أنه يفتح ذهنه وفكره للاطلاع على أبواب أخرى تختلف عما تم تكليفه به، لأنه باللاشعور يبدأ البحث عن جوانب جديدة في الحياة، لطالما يجد نتيجة عمله، ولكونه يقطف ثمرة أتعابه، لكن إذا كان يبذل مجهودات مضاعفة، ويعلم مسبقاً أن لاشكر له ولا تقدير ولا مكافأة، يشعر بأنه يتساوى مع الجميع، ولاسيما الذين لايعملون، أو يؤجلون مهامهم، ويراكمون ماهو مطلوب منهم، كما يشعر بالغبن، لأنه لايجد من يقدر التعب المبذول، وأن هؤلاء إذا بدر منهم أي تحفيز ، فالهدف منه استمرار ذلك الشخص بما عقد العزم عليه، لأنه لايوجد هناك من يقوم بنفس العمل الذي يؤديه، ولو كان هناك شخص يتساوى معه، لما تلقى اي كلمة شكر.
و أنواع التكريم تختلف من جهة إلى أخرى، فهناك من يتم تكريمهم مادياً ومعنوياً أو يصرف لهم مكافأة مع رواتبهم مع شهادة شكر وتقدير وإقامة حفل تكريم مصغر في موقع العمل بحضور الجميع، وغيرها من مظاهر احتفالية، وهناك من لايحلمون بذلك طيلة حياتهم المهنية والإبداعية، وما أن يحصدهم سيف الموت، حتى تبادر الجهات المسؤولة لتكريمهم، في وقت لايحضرون فيه هذا التكريم، ولايعرفون إذا آلت المكافأة أو ذاك التكريم إلى من يستحقه بعد الموت.
فالمبدع أو الفنان أو المبتكر أو الشاعر أو الطبيب والمهندس والمحامي والإعلامي والموظف أياً كان عمله ومهما كان منصبه الوظيفي، إذا كان أهلاً لهذا التكريم، لقاء ما أفناه من سنوات عمره في خدمة جهة معينة، لابد من تكريمه وهذا يؤكد علاقته بالمكان الذي ارتبط به، وأن هناك من يقدر عمله وتعبه والجهد الذي بذله تجاه هذه الجهة أو تلك.
وغياب تكريم المتميزين في مجالات العمل في أي موقع كان، يعود في معظمه إلى نظرة خاطئة تتوهم الإدارة أنّ التكريم والتحفيز يقود إلى تراخي العامل أو المبدع، وهذا فهم خاطئ ينتهي معه إلى التراجع والنكوص.
وبدلاً من ذلك يجب أن يُنظَر دائماً إلى المتميز بأنه موظف كفؤ ونموذج مؤثر في بيئة العمل، لأن المتميز دائما يكون حريصاً ودقيقاً في أداء عمله وهذا ينعكس على أغلب تفاصيل حياته، فيكون متميزا حتى خارج عمله من خلال تعامله مع الآخرين وغير ذلك، كما أن للتحفيز طرقا متعددة منها المعنوي بالشكر والثناء، والمادي بصرف مكافآت مادية، أو بالترقيات والتدرج الوظيفي، و تعاطف الإدارة مع الموظف المميز وتقدير ظروفه عندما يقع في مشكلة ما ويساعده على تخطيها وتجاوزها لسببين، الأول بحكم الزمالة، والثاني لأن ذلك من مسؤوليات المدير الناجح في أن يحافظ على موظفيه المتميزين والوقوف معهم في أي ظرف.
بالنتيجة فالتكريم يدفع الإنسان دائما إلى المبادرة وتقديم كل مابوسعه ويزيد من إنتاجيته وعطائه وكفاءته، و من جهة أخرى فيجب على الإدارة الناجحة ألا تحبط الموظف غير المتميز بل يوضح له نقاط الضعف في أدائه وكيف يمكنه تقويتها، أيضاً ينبغي على الإدارة امتداح الجانب الإيجابي كي يرتقي بمستوى إنتاجية موظفه و يتجنب انتقاده أمام الآخرين، إضافةً إلى تعزيز وتنمية العمل بروح الفريق الواحد والذي هو أساس كل عمل ناجح.