الثورة أون لاين – هفاف ميهوب:
يتساءل “أدونيس” في كتابه “سياسة الشعر” الذي تناول فيه تجربته الشعرية الذاتية: “ماذا بقي من الشعر الذي كتب حول الأحداث الوطنية – العربية، في نصف القرن الأخير؟”.. يتساءل، ليجيب من خلال تجربة الشاعر في كتابةٍ، اتّخذ فيها من نفسه شخصاً محايداً في القضايا الأساسية:
“بقي الشعر الذي اخترق الحدث محولاً إياه إلى رمز، وهذا الذي بقي ضئيلٌ جداً بالمقياس إلى الكمّ الضخم الذي كُتب”.
يجيب بذلك، معتبراً أن الشعر وباختراقه للحدث، لا يجعل منه غاية تخدمها أداة، وإنما وسيلة لهذه الأداة.. الشعر، بل الإبداع عموماً. الإبداع الذي هو “من جهة، استقصاءٌ للكائن وطاقاته وكشفٌ عنها، ومن جهة أخرى، كشف للتاريخ”.
حتماً، يحتاج هذا الاستقصاء والكشف إلى اعتماد الواقعية، وهي العلاقة التي تربط الشعر بالحدث الذي لا بد وأن يشهد متابعوه، مقدار ما كان بالغ التأثير على الكتابة الشعرية العربية. التأثير الذي نجم عنه “الشعر الواقعي” الذي وإن بدا واضحاً جداً، إلا أنه كان بالنسبة لـ “أدونيس”:
“من الكلمات الأكثر غموضاً، فإذا درسنا النتاج، نراه يتمحور حول واقع الحدث. يقوله، خاضعاً له.. متكيفاً معه.. لا يُقرأ لشعريته وجماليته، بل لمنفعيته.. إنه سلاح في الساحة، وسواء أكان قومياً أم طبقياً.. تقدمياً أو رجعياً، فإن دوره هو دور الأداة.
من هنا، لا يعد ذلك النتاج الشعري الواقعي شعراً، وإنما هو نصوص سياسية أو اجتماعية، وقيمته من هذه الناحية في وظيفته. أي أنه ينتهي حينما تنتهي وظيفته، وذلك على النقيض من النصوص الشعرية.
إن ملحمة “جلجامش” تمثيلاً لا حصراً، انقطعت كلياً عن وظيفتها في إطارها الاجتماعي، التاريخي الأصلي، ومع ذلك تظل نصاً فعالاً وعظيماً، والسرّ أن الإبداع لا يُحدد بوظيفة المنفعية، أو بتعبيرٍ آخر، لا وظيفة للإبداع إلا الإبداع”.
يقدم هذا المثال الذي يعنيه، دون أن يعني بأن على الشاعر أن يكون حيادياً، بل بألا يُخضع كتاباته للمقتضيات الأيديولوجية والسياسية.. ألا يبرر أو يدافع، أو يمدح أو يذم أو يبشر، بل عليه:
“أن يغير الطريقة السائدة في طريقة الحياة، التي ينشأ عبر تغييرها “مجازياً، صور وطاقات لتغيير العالم “مادياً”. دون ذلك لا يكون الشاعر كاتباً. أي يمارس التعبير عن طاقة خلاقة وفعالة، وإنما يكون مُستكتباً يقوم بوظيفة محددة..”.
لا شك أنه أراد أن يقول، إن “العالم لغة” ولا يمكن أن تكون لغة الشعر هي لغة الواقع، فـ “ليس الواقع هو من يحول الكلام إلى شعر، بل الفن الذي يجعل اللغة تقول أكثر مما تقوله”.
باختصار.. هو رأي شاعر ومفكر عالمي. شاعرٌ، لأنه وجد بأن فضاء الشعر لا يتطور لأنه محكومٌ بالقديم التقليدي، بحث عن فضاء التجدد الإبداعي. الفضاء الذي اتسع في نصوصه، إلى أن بات المستقبل فيها يتحرك على إيقاعِ لغةٍ تقول أكثر مما قاله، وهي لغة الفن الخلاق والشاعري”.