الثورة – رفاه الدروبي:
كانت شرارة الكتابة الأولى مبكرة لدى القاصة والشاعرة نور موصلي، ومزيجاً من أصوات المحيط وتجاربها الصغيرة فيه، بدءاً من أحاديث أمها وأبيها، وأشرطة تسجيل يتركانها تصدح بالقصائد المغنَّاة يومياً، إلى كتب مدرسية فتحت صفحات واسعة في آفاق مخيلتها، وحكايات الجيران المنتشرة في أزقة الحي، حفرت في ذاكرتها عميقاً، وبدأت تلتقط صوراً عديدة للعالم من حولها، وتخزنها في ذاكرتها لتخرجها بعد سنوات على هيئة نصوص، لا تتذكر أنَّها كانت طفلة يوماً ما، بل اعتقدت أنَّها خُلقت بأحاسيس أكبر من عمرها، لذا كانت تبحث عن عالمٍ موازٍ تستطيع أن ترسمه على مقاس أحلامها، فكانت الكتابة، ثم دعمتها بالتحصيل العلمي إذ نالت شهادة ليسانس في الأدب العربي من جامعة دمشق، وراحت تعمل مدققة لغوية وكاتبة محتوى ومعدَّة برامج أدبية.
أعمالها
صدرت لها مجموعتان قصصيتان عنوانهما: “متحف النساء”، صادرة عن دائرة الثقافة في الشارقة 2022، و”فرس دمشقية”، إضافة إلى مجموعة شعرية صادرة عن أكاديمية أبوظبي للشعر العام الماضي، واقتصر شعرها على النصوص النثرية، ثم نظمت قصيدة التفعيلة كونها تمنح الشاعر مساحات واسعة وحرَّة في التعبير، وترى أنَّها توائم العصر الحديث، ومتطلباته أكثر من غيرها، كما أنَّها تكتب النصوص النثرية المفتوحة، لكنَّها لا تنفي إعجابها بقصيدة الشطرين، وخاصة عندما تحمل موسيقاها بُعداً درامياً وانفعالاً قوياً، لذا خاضت تجارب عديدة فيها.
ترى أنَّ الكثير من أعمالها لا يزال قيد الكتابة لإيمانها أنَّ بعض النصوص تحتاج للنضوج على نار الحياة.
تعمل نور حالياً على تأليف مجموعة قصصيّة جديدة، إضافة إلى ديوان شعري، مستقيةً رموزها من الألم الإنساني العتيق المديد، واستعارت لغة قلوب لا تجيد التعبير كما ينبغي.. كذلك لجأت إلى الطبيعة والأنثى والجسد، وكل ما يُشكِّل حقلاً مفتوحاً للتأويل.
أوجاع الحرب
جسَّدت واقع المرأة الأم، وخاصة أمها، فوالدتها كانت معلمتها الأولى في استيعاب المرأة وهمومها ومعاناتها، وساعدتها في الوصول إلى نصوص تُجسِّد واقع المرأة عموماً والأم خصوصاً، بعيداً عن دورها النمطي الذي يغفل الكثير من جوانب حياتها ومشاعرها وتطلعاتها.
كما كانت لأوجاع الحرب تأثيرها على الفرد والأسرة والمجتمع كونها سرقت الكثير من الأفراد والأسر، فحاولت أن تسلط الضوء على زوايا من تلك المعاناة الشاملة بقصائد وقصص تحاكي الوجع السوري، وتتطلع إلى مستقبل مشرق، راصدةً في قصائدها حالة لمعالجة مشكلة عامة بوصفها فرداً من مجتمع ثم من أمة وعالم كامل.
وبما أنَّ المشاعر الإنسانية واحدة فيبدأ النص من حالة خاصة ثم يتحول إلى مشكلة عامة، إذ يستطيع النص الحقيقي أن يجد له ولو قارئاً واحد على الأقل يشعر كما لو أنَّه صاحب فكرته ومشاعره وانفعاله لكن لا يستطيع الشاعر أن يقدم حلولاً، ويعالج مشكلات في نصه، بل مهمته تنحصر بطرح أسئلة، وكشف أقنعة وفتح الجروح ليراها الآخر فيشارك في التفكير أو التعاطف على الأقل، عن مكان ينتمي إلى مدينة أو زمن محددين، أو يمكن أن تجري في أي مكان أو أمكنة عدة.
لذا رأت بأنَّ النص الحي لا يصلح لكل زمان ومكان، ويكون مفتوحاً عندها، يناسب بِقاع الجغرافيا في كل عصر، وإن كان يحمل شيئاً من سمات مدينتها وبيئتها التي تركت طابعها في لغتها وذاكرتها.
تحولت قصيدتها لمقاومة
اختلفت موضوعات أشعارها، فقصيدتها قبل الحرب كانت مجرد محاولات شعورية ذاتية، بينما أثناء الحرب السورية كانت شرارة الشعر الحقيقي لديها، وتحولت إلى فعل مقاوم، كونها تحمل غضب وثورة وجراح جماعية لا يمكن تجاوزها، وإن كانت تتخفى من وراء حجاب التورية والانزياحات، فالهمُّ السوري واحد، عبّر الشعراء عن مكمومي الأفواه، من خلف نقاب التورية والانزياحات، ولم يتوقف الإبداع بالمزاوجة بين الشعر والمسرح لأنَّه حاضر في نصوصها، وإن لم يظهر بشكل مباشر، لكنَّها حمّلت قصيدتها بعداً درامياً عميقاً، لتخرج كأنَّها مونولوج داخلي، فظُن أنَّه يمكن أن يمنح نصوصها أدوات جديدة في التكثيف والانفعال والبناء.
قالت في قصيدتها العشاق: يزرعون صباحي بالأغنياتْ
يطرقون مسائي بالأمنياتْ
وأنام وأصحو على طَرقاتِ الرصاصِ
تكاد تجوز شبابيكَ بيتي
وتترك حسناءَهم
حفنةً من رفاتْ
يمطرون بريدي
رسائلَ شوقٍ
تَقطَّرُ من بين أحرفها
عَبراتُ القلوبْ
وخطاي تسرحُّ على الطرقاتِ
فأركض من فرن خبزٍ
إلى بائعِ الخضرواتِ
مبللةً تحت سيلِ الشتاءِ
إلى أن أذوبْ
تأكل النارُ
أكبادَهم
يتحرَّون أندادَهم
يضرمون الأصابعَ
كي يثأروا من ضلالِ وفائي
بينما أنزوي في غياهبِ كهفيَ
أفرك وحلَ ثيابي
بلوح الجليدِ
وأرجفُ أرجفُ حتى انطفائي
يزرعون الورودَ
على باب بيتي
لتنبتَ ما يشتهونَ
– ولا أشتهي-
من قصائدَ ناضجةً
بثماري
بينما أتقصَّى البراري
أفتِّش عن عشبةٍ
غير مسمومةٍ
لعشاء صغاري
وإذا يئسوا من رحيق زهوري
قذفوا غصنها بالغرورِ
وأنا ألفُ ريح تهزّ
وريقاتِ عمري
وتنثرُ آسي على عتباتِ القبور
مشاركاتها في المهرجانات
تعتبر مشاركتها في المهرجانات العربية لها دور كبير لأنّها تلتقي بشعراء وكتَّاب أثناء جولاتها في بعض الأقطار العربية، وجدتهم يحملون تجارب مختلفة منحتها رؤى جديدة شكَّلت لديها وعياً مختلفاً وآفاقاً للكتابة، فكانت صلة وصل بينها وبين ثقافات مختلفة كونها تنقل وجعها الإنساني الواحد وجوهرها الشعري متشابه.
أمَّا فانتازيا قصتها الفائزة “متحف النساء” فقد استخدمتها في بيئة تعج بالألم، وكانت أداة لتفكيك الواقع ومعالجة مشكلاته من خلف قناع الخيال، ليست خيالاً للهروب فقط، بل وسيلة للمواجهة والتمثّل الفني لإعادة خلق وعي مجتمعي.. قالت في قصيدة كتبتها للشام بالعامية عنوانها:
“عم تكبري”
وعم تكبري يا ندى الروح وعم تعتق القصيدة
وجروحها
عم تكبري
ببلاد غير بلادنا
وردة ع درب جديدْ
وعم يسرقك منّي العمر
وعم تبعدي لبعيدْ
بتتذكَّري؟
كنَّا بعمر ولادنا
ويدور فينا العيدْ
وقلّك متل فستانك بهالصُّورة
بدّي جديدْ
وتلبِّسيني ورود وعْناقيدْ
وشو تسرقي من زنبق الحارات
تتزيّني شعري وبقلب ضفيرتي
شو تضفري أسرار ومواعيدْ
وقلّك بنِفسي بعد في دق مْراجيحْ
وتلمني إيديكي تمرجني كأنّا ريحْ
عم تكبري
وبعدا القصص ع مخدتي صغيرة
يا مين يسرقلي صدى صوتك
ويكمِّل خْبارا لحتّى نامْ
عم تبعدي
وبعد النَّدى ما ضل ورد بالشَّامْ”.