الثورة ـ رنا بدري سلوم:
على فنان الكاريكاتور أن يعتنق شغب الفكر، ليتبع ريشته المشاكسة وما تهدس به، يلاحق بنظرة استقرائية الأخبارالعاجلة والآجلة معاً، فيملأ فراغاً ما ..لم يُكتب بعد، وربما لن يكتب، ويقول ما لا يقال ولن يقال.
تصلنا رسالته دون كلمات، ونظرة عميقة عليه تكفي أن نفهم رسالته ومضامينها ورؤاها المختلفة وربما الشّجاعة، لأنه يثير قضيّة بطرح فنّي عال المستوى.
الكاريكاتور فن فريد من نوعه، أفق مفتوح على تشعّبات الحياة واحتمالاتها برموزتعبيريّة ودلالية، “لا يمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا بعد أن يتعلّم كيف يفكر”، نعم كيف نفكر والطريقة التي نفكر بها، وهنا يكمن الإبداع الحقيقي في كيفيّة خلق لوحة رمزيّة مشحونة بالعواطف والأحاسيس.
“القيمة الجماليّة والفعل الفني- الكاريكاتور أنموذجاً” كتاب من إصدارالهيئة العامة السوريّة للكتاب، وضعه فنان الكاريكاتور رائد خليل بين يدينا معبراً عن تجربته العالمية في هذا الفن الذي يفك شيفرا الرمز مرة والفن مرة أخرى وفي كلا الحالين هو خلاصة معرفة رمزيّة، “فإن غاب الرمز، غاب الفن”.
فن الكاريكاتور هو فن على قدر ما هو بسيط، هو معقد يعمل على إسقاطات وتأويلات واستنتاجات قد تكون منطقيّة وقد لا تكون، وهنا تكمن لذّته، وقد عُرف الكاريكاتور بأنه “استفزازالمخيّلة لقول الجميل بحثاً عن معادلة الإدراك الحقيقي والحكم على مفاصل العمل ضمن مجالات واسعة الطيف، ومع هذه الإحداثيات الفنية المتوالدة برزت نظرة فلسفية غيرت مفهوم الكلاسيك لتقف عند عتبات القراءة الحديثة للواقع، وهذا يعد نقلة مهمة في التخلص من رواسب القديم الثابت في بنيانه التشكيلي للانطلاق نحوعوالم الذات المنغمسة في قواميس التجديد والنزعة الرومانسية”، فن الكاريكاتور بأنواعه السياسي الاقتصادي الاجتماعي الرياضي قد يلامس واقعنا المعاش ببساطته، وعفويته وحساسيته المفرطة، فلا يكون مثالياً حدّ الرسمية، ولا يكون على الحياد حدّ التوحّد، الكاريكاتور ابن الصحف المدلل، وإن تبنته جدران المعارض الفاخرة.
يبقى رسالة شعبية من مجتمعه وإليه، ببساطة تفكيره وسهولة الوصول له، ومن هنا وجب علينا أن نعزّز هذا الفن لأنه يشبه ذواتنا بملامح أرواحنا البسيطة المتعبة والحالمة، يشبه أشكالنا المنمّقة وعقولنا المتعجرفة يشبه يقظتنا وعشوائيتنا الأولى.