الثورة – رفاه الدروبي:
زارنا رسام الكاريكاتور أكرم رسلان في منزل العائلة بدمشق بعد أن هُجِّرنا من مدينة حمص كي يرسل آخر أعماله إلى قناة الجزيرة في بداية آب ٢٠١٢..
يومها لم أكن أعي ما فعلت بل وضعت نصب عيني وطناً جريحاً وشعباً مشرداً وطاغية يجلس على كرسي الحكم، لا يسمع نداء المعذبين بل يضرب عرض الحائط بهم، متناسياً أن الحقّ يعلو ولا يعلى عليه، وعدت بذاكرتي إلى تلك الشخصية ذات الطول المتوسط والشعر الأشيب.. كان عمره نهاية العقد الثالث، لكنّه يبدو وكأنَّ هموم الدنيا ألقيت على عاتقه.
عدت إلى رفاق دربه في جريدتيّ الحرية “تشرين” سابقاً، والفداء كي يبثوا لنا حكاياتهم عنه.
شهيد الكاريكاتور
رسام الكاريكاتور السوري علي حمرة عضو المهرجان العالمي للكاريكاتور في فرنسا “سان جوست لومارتيل” قال: تمَّ تعيينه في جريدة الحرية “تشرين سابقاً” مع أكرم عام ١٩٩٩ بعد أن أنهى الخدمة الإلزاميّة وتخرجه في كلية الآداب قسم المكتبات، إذ كانا على تواصل بشكل دائم، وعندما دارت رحى الحرب بقيت العلاقة بينهما لكنَّ حمرة ذكر أنَّ آخر اتصال أجراه هاتفياً قبل اعتقال أكرم بنحو عشرين يوماً، وكان بخصوص الاتفاق على عمل مشترك، ثم اضطرّ للخروج من سوريا تفادياً للاعتقال من قبل مخابرات النظام المخلوع، وفيما بعد علم أنّه أصبح مطلوباً من شعبة المخابرات العامة.
ولفت حمرة إلى أنَّه تمَّت المطالبة بالإفراج عن أكرم من قبل ٢٠٠ رسام من كلِّ أنحاء العالم ينتمون للصالون العالمي للكاريكاتور في فرنسا عام ٢٠١٣، لكنَّ النظام ضرب عرض الحائط بمطالباتهم ولم يستجب لهم.
أمَّا عن رسومات أكرم من الجانب الفني فقال: كان يعبِّر عن مشاعره بالرسم، ويتميز بخطوط لينة سهلة مختصرة، وأغلب الشخصيات المجسَّدة لديه بملامح بشارالأسد المخلوع، إذ رسمها بشكل صريح، وعلني من دون مواربة، تمَّ اكتشاف ذلك مع بداية الثورة السورية، مبيِّناً أنّه خلال المحاضرات والندوات المنعقدة في فرنسا والمتعلقة بحرية التعبيروالصحافة ورسم الكاريكاتور دائماً يكون الحديث عن أكرم كنموذج معبِّرعن الشجاعة في ميدان حرية التعبير، وما تعرَّض له من تعذيب إذ دفع حياته ثمناً لرسوماته، فكان ملتزماً أخلاقياً ومهنياً وشجاعاً، كناجي العلي السوري ،وكلاهما شهيدا الكاريكاتورلأنهما اوجعا النظامَ بريشتهما، فجاء الانتقام فاجعاً”.
عقله لوحة كاريكاتور
وأوضح الصحفي الساخر جودت حسون أنَّه عندما يكتب عن أكرم فأصابعه ترتعش كجرّاح يجري عملية لأعزالناس لديه، واصفاً صديقه رسلان بأنه فنان يحمل قلب طفل وعقل مبدع.. لم يكن يتوقف عن العمل، هكذا عرفه صديقاً وفياً منذ بداية تعميق معرفته به أثناء الخدمة الإلزامية، حيث كانت علاقتهما عادية في جامعة دمشق كلية الآداب قسم المكتبات الملاصق لقسم الصحافة المتخرِّج منه.
وإشارةً إلى النقاء والشفافية، يقولون: إنَّ ما في قلبه على لسانه دون مواربة أو تصنُّع، حيث يترجم ما في قلبه وعقله بلوحة كاريكاتورية تبكي من الضحك أو تضحكك لشدة البكاء والشفافية والطيبة، حتى وقع في فخ المخابرات في خريف 2012، وحدث ما كان يخشاه تماماً، لذلك أسدى النصيحة له بضرورة الحذر، فالوحوش لا ترحم الطيبين أمثاله، لكن ترك خبر مقتله تحت التعذيب في الثاني من تشرين الأول عام ٢٠١٢ ،كنقطة مفصلية في حياته الشخصية رغم أنَّ ذلك متوقع جداً، ومع أنه لم يشأ تصديق الخبر في البداية، إذ اعتقد أنَّ طيبته يمكن أن تشفع له بطريقة ما، لكن تذكر أنَّ معظم ضحايا الجلاد كانوا من الطيبين الأنقياء!.
ثائر عنيد
بدورها الصحفية دعد الجندي وصفته بالفنان المبدع الثائر العنيد ولو تركنا ذلك جانباً وركَّزنا على إبداعه اللامحدود في فن الكاريكاتور، وبراعة خطوطه الدقيقة في رسم تفاصيل معاناة طويلة كان يعيشها الشعب السوري فإنَّ أكرم إنسان طيب جداً وحساس إلى درجة عالية، وكان خدوماً لكلِّ زملائه من دون النظر إلى ماهيتهم الشخصية، وذلك ما كان يوقعه في مواقف حرجة يكون الخاسر فيها، لكنَّه كان رابحاً للإنسانية وللأخلاق العالية، حيث نذر نفسه للثورة مع بدايتها، دون أن يهاب الموت في سبيل الوطن، ورغم تحذيراتها المتكررة له بضرورة الانتباه لأنَّ النظام الوحشي لا يرحم لكنَّ جواباً يلازمه دائماً مفاده: لا يمكنه تكِّذيب الحقيقة حتى لو مات في سبيل ذلك.
عمل أكرم رسلان بعد جريدة الحرية في صحيفة الفداء الحموية في الطابق العلوي، وكان يجتمع مع بعض الزملاء من المؤيدين للنظام البائد، وحين سُئل عن أحوال قريته صوران بعد أن كان يداهمها جيش النظام المخلوع بين حين وآخر راح يشرح أفعاله بكلّ تفاصيلها وكيفية ذبحهم للمدنيين ومداهمتهم للبيوت الآمنة، وكانت أغلبها منازل أهله وأقاربه.