الثورة – رفاه الدروبي:
دعت جمعية الدراسات والبحوث في اتحاد الكتَّاب والأدباء الفلسطينيين- فرع سوريا، إلى قراءة نقدية لرواية “المفتي الطريد” التاريخية الوثائقية للكاتب خليل محمود الصمادي، حيث شارك فيها الناقدان: الدكتور ثائر عودة، أحمد هلال، فيما ترأس الجلسة عبد الفتاح إدريس.
تحمل الرواية بين دفتيها مائتي صفحة من القطع المتوسط، مقدمتها مقتبسة من إحدى الصحف للصحفي ناصر الدين النشاشيبي.
الناقد أحمد هلال أشار إلى أنَّ الرواية تطرح العديد من الأسئلة لجهة ثنائية التاريخ والوثيقة، والعلاقة معها بوصفها متخيلاً سردياً، إذ تتداخل في العمل ذاته عناصر مختلفة من الرواية: التاريخ والوثيقة، كونها تقوم على متخيل تاريخي، بمعنى استحضار للتاريخ من المرويات والشفويات والكتب والوثائق، لتكون دالة على سيرورة شخصية اعتبارية في مجالات عدة.
إنَّها شخصيّة المفتي أمين الحسيني، تحيلنا الرواية بمتونها وعنواناتها وإشاراتها إلى الدور المطلعة فيها الشخصية في مسار القضية الفلسطينية، مستثنياً بضعة عناصر فنية لها كونها تقوم على التصعيد المكاني لذلك المسار مَن لا يخص المعنى وحده؛ وإنَّما يتعلق برحلاته في أصقاع العالم بدءاً من القدس والفرار إلى لبنان فبغداد، ثم الهروب إلى إيران، فتركيا، وإيطاليا، وألمانيا ومنها إلى باريس والقاهرة، وصولاً إلى دمشق في زيارة قبل نكسة حزيران.
الناقد هلال لفت إلى أنَّ السيرة الغريبة للمفتي الطريد أمين الحسيني من أجل البحث في سردية الوثيقة المؤرخة لمسيرته وبما تثير من أسئلة حول مصغرات الشخصية ذاتها، نظراً لتعلقها بغير محيط عربي وليجعل الكاتب من تلك الوقائع الصريحة كعناوينها الفرعية وتواريخها، مجالاً لسردية تاريخية بامتياز، كما تلفت الرواية في فصولها المتواترة إلى انعكاس هزيمة ألمانيا إثر فشل دعم القضية الفلسطينية، وتهريب السلاح إلى فلسطين ليصبح المعنى ذاته المطلوب حياً أو ميتاً، لكن ينتهي به المقام أخيراً في لبنان حيث يفارق الحياة في الأيام الأولى من تموز عام ١٩٧٤.
بدوره الدكتور ثائر عودة رأى أنَّه ليس هناك أي تصور في غياب المعلومات ولم يجنح الراوي إلى بحث مغنٍ عنها لعدم التدوين، بل إنَّ مادة الرواية التاريخية متوفرة وبكثرة ابتداء من مذكرات الحسيني ذاتها كونه دوَّن فيها أفكاره وأدواراً لعبها في تاريخ القضية الفلسطينية، وجلوسه مع أكبر قادة الدول في زمانه والأعمال المفروضة عليه دون إرادته، وتقييمه لتجارب خاضها، ورؤيته لتحرير فلسطين.
وللعلم فإن الحسيني شرع ينشر مذكراته في مجلة فلسطين الصادرة عن الهيئة العربية العليا لفلسطين بدءاً من أيار ١٩٦٧، وحتى حزيران ١٩٧٥، وبلغت ٧٥ حلقة، ثم أعيد جمعها ونشرها كاملة فيما بعد في كتاب من إعداد أمين سر المكتب التنفيذي للهيئة العربية عبد الكريم العمر عن دار الأهالي في دمشق عام ١٩٩٩، ولم تذكرها المراجع الموضوعية، وأبدى عودة استغرابه لعدم ذكرها في المراجع من قبل الكاتب الصمادي في آخر كتابه حيث أورد ثمانية مصادر.
كما تركز الرواية على البطل الفردي من عنوانها وعالمه المليء بالأحداث العاصفة من دون الخروج من دائرة الفرد إلى المجتمع الفلسطيني، وهناك نوعان من الروايات التاريخية أولها: تعيد الرواية إلى التاريخ بكل تفصيلاته وطقوسه، وكأنَّها تردك إلى الحياة فيه.
أمَّا الفرع الآخر فإنَّه يستعيد المناخ التاريخي فقط، ثم يترك لنفسه قدراً من الحرية النسبية داخل إطاره فيذهب من الحاضر إلى الماضي ليأتي به إلى الواقع.
من جهته الكاتب خليل محمود الصمادي بيَّن أنَّه اختار شخصية الحاج أمين الحسيني بعد لجوئه لاستقصاء وقراءة بعض الكتب عن نضاله من أجل فلسطين ومحاربته الأعداء ثم الأقارب، وعاش طريداً بين دولة وأخرى حتى فارق الحياة، ووجد فيه شخصيّة وطنيّة بامتياز، ولًّدت لديه دافعاً بتسليط الضوء عليه حتى يتذكر الجيل الجديد ما قام به الأبطال القدامى.