الثورة أون لاين – ميسون حداد:
بعد الحصول على التصاريح اللازمة، دخل الوفد الصحفي أحد المصانع الكبيرة في ألمانيا لإجراء لقاءات صحفية مع العمال. وطلبوا ذلك من أول عامل قابلوه، إلا أن العامل امتنع قائلاً: الآن وقت عمل، وعليكم أن تعودوا خلال الاستراحة أو بعد انتهاء ساعات العمل.
تصرف هذا العامل الألماني لا يشبه ثقافتنا، وجده الكثيرون في بلادنا غريباً، بعد طرح السؤال، البعض أخذ الموقف بسخرية وغيرهم اعتبروه بلا لباقة في التعامل الإنساني، بينما آخرون ثمنّوه على اعتبار أنه يحترم عمله ووقته ولكن إجماعاً كان بأننا لن نصادف هكذا موقف في أوساطنا، ربما هذا التصرف البسيط يكشف لنا بأي ذهنية استطاع الألمان بناء بلادهم بعد أن هدمتها الحرب العالمية.
” أنت الآن حيث أوصلتك أفكارك، وأنت غداً حيث تأخذك أفكارك “.
كل القضية تكمن في الذهنية التي تحكم تصرفاتنا، نعمل كما نفكر.
يغلب على مجتمعنا ذهنية الشطارة والقنص والمنفعة الشخصية والسعي لأكون مدعوماً وطغيان ثقافة أنا ومن بعدي الطوفان.. الخ
النتائج التي نحصدها اليوم في مجتمعنا في أزمته الاقتصادية من غلاء الأسعار إلى الاحتكار إلى الجشع إلى سلطة الواسطة على جميع مناحي الحياة، وما شهدناه منذ بداية الأزمة ومع تكاتف العدو الخارجي، كان هناك ذهنية فردانية قوامها الأنانية، مهترئة في ذاتها، كانت تنخر من داخل أيضاً، يبقى للشرفاء إضاءاتهم وبصماتهم..
لنحصد نتائج مختلفة في مجتمعنا علينا أن نبدأ بتغيير الذهنية وطريقة التفكير.
علينا أن نبدأ بتعميم ثقافة جديدة.
ثقافة أن الأمانة في العمل ليست غبناً شخصياً ولا غباءً بل قيمة مضافة للشخص ولمؤسسته ومجتمعه.. وأنّ الاجتهاد في العمل وتطويره يبنيني ويبني مجتمعي، لا يوجد جهود مهدورة، الذي لا تلمس نتائجه اليوم يأتيك غداً والمنصب الذي أشغله ليس (لاستنفاذ المكاسب) بل للعمل والتطوير والبناء والمكاسب تكون تحصيل حاصل..
وهنا يعوزنا فكر هام جداً غائب ومغيّب.. وهو فكر (الوفرة للجميع) وهذا ذكره عالم التنمية البشرية (ستيفن آر كوفي) في كتابه العادة الثامنة، يقول:( عقلية الوفرة:
هي أن تؤمن أن هناك فرصاً تكفي الجميع وخيراً يكفي الجميع في هذه الدنيا…فلست بحاجة أن تخسر أحداً أو تؤذي أحداً حتى تكسب أنت… فهناك خير يكفي الجميع).
عندما تعمل للخير العام تكون حتى مكاسبك الشخصية أكبر وأكثر.
نحو عمل ومجتمع أفضل بعد الأزمة نحن نحتاج إلى تغيير الذهنية التي تحكم سلوكنا ومن أهم وسائل التغيير (التدريب) لزرع ثقافة جديدة.. التدريب الذي اعتمدته غالبية المؤسسات الخاصة لكوادرها لتطوير أدائهم و مواكبتهم لعلوم العمل والحياة الجديدة، كما أن بعض المؤسسات الحكومية بدأت تنتهج هذا المنهج ولكن بخفر شديد يتبع قناعات شخصية لأصحاب الشأن. التدريب يجب أن يمسي ثقافة عامة في بناء طرق عمل جديدة وإدارة جديدة ترسي دعائم ثقافة البناء للمجتمع، والخير لي وللجميع.
ختاماً يقول أحد المفكرين اليابانيين: ” إن الشعوب تعيش على موارد تدوسها أسفل أقدامها، أما نحن فنحمل فوق أكتافنا موارد دائمة لا تنضب وهي العقول “.
نحن في سورية، ومع قسوة الحصار، لدينا موارد لا تنضب، فلنستثمرها بالتّفعيل.