هكذا تأخذنا بكليتنا.. نصبح جزءاً لايتجزأ من الفكرة والصورة والموسيقا والصدى والشخوص، نذوب ونتماهى معها حدّ الجزئيات التي تعود لتتشكّل وتكوّن كليتنا التي قد تعدّل حتى على المُكوّن الأساسي للمادة فتزيد من نقاط قوّته، وتُسقط عنه ما لا يقوّيه ويُعزّز فكره، وتُطوّر الأحاسيس والتعابير لدرجة يصبح معها المتابع جزءاً أو حتى عنصراً أساسياً في عملية العرض المُقدّم … إنه فنّ السينما… هذا الفن الذي مع تعدّد الفنون وتنوّعها يعلن التفرّد والعبقرية، لأنه يجعل من الصورة حسّاسة لمكنونات الإنسانية والفكر الذي يعيش معنا ونعيش معه …
مبادرات سينمائية للمؤسسة العامة للسينما بين عروض في الهواء الطلق، ومسابقات لكتابة نص فيلم روائي طويل، وفيلم قصير، وورشات لكتابة السيناريو وغيرها مما يعبّر عن هوية المجتمع السوري من صور سينمائية تعزّز الثقافة، ومكافآت تشجيعية لإنتاج سينما سورية جادة وهادفة…
للسينما مكانة خاصة، وتحقق توازناً بين العالم الإنساني والفكري، ويُمكن للفن السابع أن يتحدى اللغة ويسبقها، ويُعمل العقل والإحساس والتفكير ليحقّق غايات ثقافية تتوالد في كلّ زمان ومكان ولا تتوقّف عند حدّ معين…
بين الملموس والمجرّد اتجه الفكر الإنساني منذ الإغريق وعمد إلى تفسير ذلك بمنطق الأشكال والصور، وبهذا المنطق يتم ربط السينما بالفلسفة، إضافة إلى الإدراك والحركة، وكل ماسبق تحققه الصورة السينمائية وتُدلّل على أن هنالك خلقاً إبداعياً يتولّد…
الشريط السينمائي الذي يدور يترك للمتابع أو المتلقي أن يحدّد واقعية السينما من عدمها عبر سير الأفكار والرؤى والمحطات التي يقف عندها، فقد تستغرقك فكرة واحدة في زحمة أفكار الفيلم المعروض، وتجعل منها الفكرة الغنيّة والحيوية الوحيدة.. وربما القوة الكامنة فينا تحرّرها الذاكرة عبر مشهد لإحساس إنساني مجرّد يأتي تأثيره الفعلي كبيراً جداً على أصعد مختلفة من حياتنا، يدفعنا نحو التطور والإبداع…
السينما ليست مجرّد تقنيات وأدوات نمتلكها.. السينما فلسفة ومنطق وفكر ووجود، وتوالد وذاكرة وتطوّر وإبداع ينقذ العالم الاستهلاكي، وينتصر للفكر عنوان للحضارات المنسيّة…
رؤية – هناء الدويري