الثورة أون لاين – ترجمة سراب الأسمر:
على نقيض الخطاب الأميركي فإن الصين لا تشكل تهديداً للعالم، ففي الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب اللوم على الصين عندما تحدث عن فيروس كورونا، مُتهماً إياها بإطلاق هذا “الطاعون” في العالم.
أما الرئيس الصيني شي جين بينغ فأكد أهمية دور الأمم المتحدة، وكان واضحاً بقوله أنه لا يحق لأي دولة التحكم بمصير الدول الأخرى ولا يجب أن يسمح لأحد أن يفعل ما يحلو له وأن يكون المهيمن المتنمر كما لو أنه رئيس للعالم.
بالتأكيد الطبقة الحاكمة الأميركية لم تقبل بهذا التحدي، وستستمر بتلك الحرب الهجينة التقنية ضد الصين، إلى جانب خوفها منها.
انهمك البنتاغون في حروبه العديدة ضد سورية، إيران، فنزويلا ووصولاً إلى بحر الصين الجنوبي وأي محلل يدرك جيداً ما هي قدرات الصين في الحرب الالكترونية وأنظمة الدفاع الجوية المتكاملة وصواريخ دونغ فنغ القاتلة.
لتوضيح الأمور أكثر من المفيد مقارنة الإنفاق العسكري، ففي العام الماضي أنفقت الصين ٢٦١ مليار دولار فيما أنفقت الولايات المتحدة ٧٣٢ مليار دولار أي ٣٨% من الإجمالي العالمي.
الحديث السائد في الوقت الحالي يدور حول ما إذا كانت الصين تشكل تهديداً وجودياً للعالم الحر أم لا.
يقول تقرير إن تمويلات الدول الغربية ومصنعي الأسلحة ومراكز الفكر اليمينية تعمل بشكل متوازن لإغراق وسائل الإعلام بوسائل مفادها أن الصين هي العدو الأول، ضمن ما يطلق عليه السينوفوبيا (الرهاب الصيني)، وهذه الجهات عبارة عن مجمع صناعي للمعلومات يمثل حفنة من مراكز الفكر تتسلح بالأموال العامة وبرعاة صانعي الأسلحة لتصنع شروط الحرب الباردة ضد الصين، إذاً نفس النظام الإعلامي الذي أشعل الحرب الدائمة في الشرق الأوسط نجده منشغلاً اليوم بشن حرب على الصين”.
اليوم تتم شيطنة الصين بطريقة مشبعة بالعنصرية من خلال لوحة متعددة الألوان هونغ كونغ، شينجيانغ (معسكرات الاعتقال)، التبت، تايوان، فيروس الصين، الحزام والطريق، و “فخ الديون” وغيرها من العناوين.
إلى جانب ذلك تسير الحرب التجارية ضد الصين بشكل متواز كدليل واضح على كيفية تغلب الاشتراكية الصينية على الرأسمالية الغربية، هذه الرأسمالية التي مارست العقوبات على أكثر من ١٥٠ شركة تنتج الرقاقات لهواوي و ZTE وحاولت تدمير شركة Tik Tok في الولايات المتحدة.
مع ذلك فإن شركة SMIC وهي أول شركة صينية لإنتاج الرقاقات والتي استفادت من دخول البورصة ب ٧,٥ مليارات دولار في شنغهاي تتقدم عاجلاً أم آجلاً على شركات تصنيع الرقاقات الأميركية.
وعلى الجبهة العسكرية، ثمة ضغط مستمر على أقصى الشط الشرقي للصين لتعزيز استراتيجية المحيطين الهندي والهادي.
تلعب مجموعة ما يسمى(تانكلاند) دوراً أساسياً في تنسيق العملية برمتها من خلال مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بالتعاون مع “شركات وجمعيات تجارية” مُظهرة مشتبهين معتادين مثل بوينغ، لوكهيد مارتن وغيرها.
لدينا في أميركا المجمعات (العسكري الصناعي الكونغرس الاستخباراتي الإعلامي الأكاديمي والفكري) كمراقب لعملية السينوفوبيا، ولنفترض أن الديمقراطيين سيكسبون الانتخابات في تشرين الثاني إلا أنه لن يتغير شيء، فمن المحتمل أن تكون مديرة البنتاغون ميشيل فلورنوي والمؤسس المشارك لمركز الأمن الأميركي الجديد هي المهتمة بمسألة “تحدي الصين” و”تهديد كوريا الشمالية” فهدفها تعزيز “هامش عمل الجيش الأميركي” في آسيا.
كيف تتصرف الصين؟
أول مبادئ الصين في السياسة الخارجية هو تحريك “المصير المشترك للبشرية” وينطوي ذلك على أن الحرب الباردة مفروضة عليها من الخارج.
أهم ثلاث أولويات لدى الصين بعد مسألة “كوفيد 19″هي القضاء على الفقر، وترسيخ السوق المحلية الواسعة والعودة بكامل قوتها للتجارة والاستثمار عبر مجموعة دول الجنوب.
يرمز “التهديد الوجودي” للصين بتنفيذها استثماراً غير غربي بدءاً من البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية (AIIB) وصندوق طريق الحرير إلى التجارة التي تتجاوز الدولار الأميركي.
يتحدث تقرير لكلية كينيدي بجامعة هارفارد كيف استفاد الحزب الشيوعي الصيني من الدعم الشعبي المتزايد من عام ٢٠٠٣ إلى عام ٢٠١٦ ووصل إلى نسبة ٩٣% بفضل برامج الرعاية الاجتماعية ومحاربة الفساد.
في المقابل حين يستثمر المجمع العسكري الصناعي MICCIMAT في الحرب المستمرة – أو الحروب طويلة الأمد- بدل الاهتمام بالصحة والتعليم وتحديث البنى التحتية، فإن عملية السينوفوبيا أمر مثالي لإلقاء اللوم على الصين بمسألة كوفيد ١٩ وحصول انقراض للشركات الصغيرة وصولاً للكساد الذي يلوح في الأفق أمام “التهديد الوجودي” الصيني.
العالم ليس معرضاً للخطر، فهناك أصقاع واسعة في الجنوب تدرك أن “النظام العالمي المبني على قواعد” طالما تباهت بها أميركا ما هي إلا نظام وقتي، فما حلمت به أميركا لما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة من نظام القطبية الأحادية لم يعد له وجود.
وقد أثبتت الشراكة الروسية – الصينية أن مشروعها يرتكز على التجارة والتنمية والتكامل الدبلوماسي على مستوى أوراسيا.
وعلى نقيض ما جرى من القرن السادس عشر وحتى نهاية القرن العشرين، فالمبادرة لا تأتي من الغرب بل من شرق آسيا، لا بد من الدخول في محاور التنمية التي تعبر جنوب شرق آسيا، آسيا الوسطى، المحيط الهندي، جنوب غرب آسيا وروسيا وحتى أوروبا، بممر بحري للحرير يجتاز جنوب آسيا.
لأول مرة في تاريخها باتت الصين قادرة على مضاهاة التوسع السياسي والاقتصادي الديناميكي براً وبحراً، ولا عجب في عدم قدرة الغرب على فهم هذه الضخامة الجيوسياسية لكل ذلك، ولهذا نعاني الكثير من “الرهاب الصيني” ومن تقنية الحرب الهجينة المنتشرة حتى وصلنا إلى هذا “التهديد”.
بقلم: بيبي اسكوبار
عن: موندياليزاسيون