الثورة أون لاين – نعمان برهوم:
بمناسبة ذكرى حرب تشرين التحريرية أكد الباحث الدكتور فريد ميليش في محاضرة له بالمركز الثقافي في جبلة بعنوان (الأطماع الغربية المتجددة في الشرق الأوسط) أن المتتبع للأحداث والمستجدات في المنطقة والعالم يستطيع القول إن هناك توجهات وخططاً نحو تحولات سياسية قادمة ذات ملامح استعمارية أميركية وصهيونية في المنطقة برمتها، وما التطبيع مع الكيان الصهيوني إلا بداية البداية لتدشين مشروع الأطماع الاستعمارية الغربية في طولها وعرضها.
و أشار الدكتور ميليش إلى الدور الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط مؤكداً أنه في أعقاب انتهاء حالة الاستعمار المباشر خف الحضور الفرنسي في المنطقة بشكلٍ ملحوظ بسبب هيمنة القطب الأميركي على مسار الساحة الدولية، فاكتفت فرنسا باتباع سياسات التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي النسبي كتعاونها مع العراق لإنشاء مفاعل تموز العراقي في بداية الثمانينيات, لكن تدهور المؤشرات الاقتصادية، وبالتالي انغماس فرنسا بأتون مشاكلها الداخلية لم يمكنها من الحفاظ على ديمومة نشاطها الخارجي على الصعيدين الأوروبي والعالمي يعتبر عاملاً مؤثراً بذلك.
وقال إن هذا الدور دخل ساحة المتوسط من جديد حالماً باستعادة المشروع الذي تبناه الاتحاد الأوروبي بعد تبني ساركوزي له “الاتحاد من أجل المتوسط” ليكون سفينة العبور لماكرون (عبر استثمار تفجير ميناء بيروت) إلى شرق المتوسط, فما حدث في بيروت ليس بمعزلٍ عما يحاك للمنطقة, لا بل وللعالم, أظنه مدخل لصيغ على شاكلة سايكس بيكو مع شركائه البريطانيين.
و بين الباحث أنه بعد تراجع الدور الأميركي في المنطقة مطلع عام 2011، بسبب رغبة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، واتباع سياسة تخفيف النشاط العسكري، برزت تحركات أشارت إلى تطلّع فرنسا للعب دور دولي نشط في المنطقة، لكن السياسة الروسية المُطبقة وفقاً لمشروع “أوراسيا الكبرى” التي تهدف إلى توسيع التعاون الروسي مع دول أوروبا الشرقية وآسيا قطعت الطريق على ذاك المشروع، فالروسي المنافس الأول لدول الاتحاد الأوروبي، كونه يسعى لإحكام سيطرته الجيو اقتصادية عليها.
ولكن محاولة فرنسا أو أي دولة من هذه الدول مجابهة هذا الدور في المنطقة تم وأدها، وهو ما حصل بفضل صمود سورية وثبات مواقفها في وجه الحرب الكونية ضدها, ما أرسى دعائم قوة استقرار مستدام لروسيا عسكرياً واقتصادياً وبالتالي سياسياً.
واختتم الباحث محاضرته بالقول: كذلك تسارع الأحداث السياسية دولياً وإقليمياً ما بين المشروع الغربي الصهيوني لإقامة الشرق الأوسط الكبير, والمشروع الاقتصادي التنموي الصيني للحزام والطريق, واشتداد حدة الصدام مع جائحة كوفيد 19, والأزمة الاقتصادية العالمية التي تتبعها, أعاق الدور الفرنسي، ومن معوقاته أيضاً التنافس مع النظام التركي الإخواني الحالم باستعادة الدولة العثمانية المنهزمة في الحرب العالمية الأولى, لتتخلص من معاهدة لوزان 1923 التي ترسم حدود تركيا الحالية، وبالتالي فإن الصراع بين الدورين الاستعماريين التركي والفرنسي بلغ ذروته وما جرى في المتوسط مؤخراً خير شاهد.