الثورة – رنا بدري سلوم:
سأبدأ من حيث انتهى، “الموت”، تحدث عنه في العديد من قصائده، وغالباً ما كان يربطه بالحب والفراق والوطن، ومن ينسى قصيدة “وداع” التي تحدث بها الشاعر عمر أبو ريشة عن رحيل الحبيب وترك الأهل والأحبة، ونحن اليوم في ذكرى رحيله نستذكره وأبياته:
“ودع الأهل وأخلى ربعهُ
وبكى الحب الذي شيعهُ
سار والأيام تحدوه
وهيهات للأيام أن ترجعهُ
ربما يقضي غريباً لم يجد
حوله عيناً بكت مصرعهُ”.
هذا فراق الأهل فما بال فراق تناوله في قصائده كجزء من رحلة الحياة؟، حين وصف أن الموت نهاية لكل شيء مهما طالت رحلته.
وفي قصيدة أخرى وصف الشاعر أبو ريشة ملاك الموت وهو يعرض عليه الخلود في عالم النجوم، لكنه اختار أن يواجهه بعد أن ذاق مرارة الحياة فكتب:
“ملاك الموت طاف بي الأعالي
وشق بها غياهب كل تيه
وأبرز لي النجوم وكل نجم
يتيه بما لديه على أخيه
وقال لي انتقِ المأوى فإنـي
أريدك تنتقي ما تشتهيه”.
عاش الموت.. فكتبه
يظهر من خلال شعر أبو ريشة أن الموت عنده ليس مجرد نهاية، بل هو جزء من دورة الحياة، فعاش الشاعر الموت في شعره من خلال تجسيد الفراق والحب والألم والرحيل، فعبر عن ألمه وحزنه لفقدان الأحبة والأوطان، ويظهر ذلك في العديد من قصائده، متأملاً أبو ريشة في الحياة والموت، ساعياً إلى فهم معناهما، وكيفية التعامل معهما.
ويمكن اعتبار قصيدة “ودع الأهل” من القصائد التي تتناول معنى الرثاء، يصف فيها رحيل شخص عزيز عليه، وتأثير ذلك على من حوله.
رائد الشعر العاطفي
الشاعر السوري عمر أبو ريشة أحد أبرز شعراء العصر الحديث، عُرف بشعره الوطني والقومي الذي يمزج بين الرومانسية والواقعية، وبتعبيره عن قضايا الأمة العربية وقضية فلسطين بشكل خاص، فتغنى بالوطن والأمة العربية وكتب يدعو إلى الوحدة والتحرر، لذا كان من أهم ما يميز أبو ريشة أنه شاعر وطني وقومي.
يجمع شعره بين العاطفة الجياشة والرؤية الواقعية للأحداث، ويهتم بالتفاصيل الإنسانية لذلك سمي شاعراً رومانسياً وواقعياً، كان من أبرز الشعراء الذين كتبوا عن فلسطين وقضيتها معبراً عن ألم ومعاناة الشعب الفلسطيني، مبدعاً في مختلف الأغراض الشعرية، فكتب في الغزل والفخر والرثاء، والحكمة، وغيرها، له عدة دواوين ومسرحيات شعرية.
وبحسب الدراسات والبحوث التي كتبت عن أبي ريشة، تميز شعره بالصورة الشعريّة واللغة العذبة، كان يمتلك قدرة فائقة على التعبير عن المشاعر والأفكار باستخدام صور شعرية آسرة ولغة انسيابية.
لم يترك أبو ريشة نصاً شعرياً مخصصاً للرثاء بالمعنى التقليدي، لكنه تناول الموت والفقد في قصائده، وغالباً ما كان يرتبط ذلك بفقدان الوطن أو الحنين إليه، ولاسيما حين تمنى الشاعر العودة إلى الوطن ولقاء الأحبة، لكنه يدرك استحالة ذلك في بعض الأحيان.
رحل عمر أبو ريشة بشجاعة الفرسان مواجهاً حقيقة الموت بحبرٍ صادق، موقناً أن لا مفر منه، منتقلاً إلى عالمه الخاص واصفاً إياه بدقة المستقرئ قبل أن يعيش فيه.