الثورة – رانيا حكمت صقر:
بين جدران كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، حيث يتنفس الفن روحه، انبثق معرض “المنتج الطلابي” لطلاب السنة الأولى ليكون نافذة مشرعة على عوالم الإبداع، ومرآة تعكس نبض المواهب الشابة التي تخطو خطواتها الأولى على درب الفن.
ليس مجرد عرض عابر، بل احتفاء بالرؤى الجديدة، وجسر يصل بين رحم الأكاديميا وفضاءات الجمهور الواسع، تحت مظلة التعاون بين كلية الفنون الجميلة والمركز الوطني للفنون البصرية.
أقيم المعرض ليجمع تحت سقف واحد ثمار جهد طلابي مميز من قسم “الغرافيك”، بلغة بصرية معاصرة تخاطب العين والعقل، وتمنح لمحات عن فضاءات إنسانية مبتكرة.
وكان لطلاب السنة الأولى في قسم “التصميم الغرافيكي” حضور مميز، جسدوا من خلاله تجربة إنسانية وفنية غنية، قدم خلالها هذا القسم ١٢٠عملاً فنياً متنوعاً، كل قطعة منها تحمل بصمة صاحبها ورؤيته الفريدة، نتاج تفاعل حماسي مع المعرفة تحت الإشراف الأكاديمي الدقيق الذي يضمن الجودة ويوجه الطاقات.
تتويج رحلة إبداعية
رئيس قسم الغرافيك إياد محمود تحدث لصحيفة الثورة” قائلاً: اعتبر المعرض “الانطلاقة الأولى” جسراً بين الأكاديميا والمجتمع.. في صالة العرض الأكثر حيوية وتأثيراً بسوريا، احتفت كلية الفنون الجميلة ببراعم موهبتها في معرض استثنائي لطلاب السنة الأولى بقسم الجرافيك، هذا المعرض، الذي أُقيم تحت سقف الصالة الرائدة، ليس مجرد عرض لأعمال طلابية، بل هو تتويج لرحلة إبداعية وعلامة فارقة في مسيرة هؤلاء الفنانين الناشئين.
كما يرى الأستاذ محمود أن هذا المعرض يمثل حجر زاوية في الخطة الدراسية، إذ يتحول العمل الفني عند تعليقه على الجدار إلى “كيان مستقل يتنفس”، وأضاف: “عرض العمل أمام حضور متخصص وجمهور نوعي وهو بحد ذاته فوز عظيم لأي فنان عند إنجازه وهو ما نريد غرسه في نفس كل طالب.. أن يعمل، يُقيم عمله، ويحترم هذا الجهد بعد العذاب الإبداعي”، مشدداً على أن الدرجات الجيدة “لا تكفي وحدها”، بل إن المتابعة والتفاعل مع المجتمع هما طريق التميز الفني”.. لابد للطالب أن يشعر في وقت ما بقيمة ما يملك وقيمة عمله، ليكون ذلك حافزاً يجعله يصدق بأهمية اختصاصه وبأنه يعمل على صعيد أكاديمي وفني معاً.
وأوضح محمود الدور المجتمعي المحوري للمعرض هذه الرؤية هي جوهر ما تقدمه الكلية، فهي تخلق صلة وصل بين الطالب والمجتمع، وهو الأمر الذي كان يمثل أكبر مشكلة تواجه التعليم الفني سابقاً كيفية تحقيق آلية تواصل بين العمل الأكاديمي والمجتمع.
وبين أن المعارض مثل هذا، هي تلك الصلة المنشودة بين الحالة الأكاديمية والمجتمع، موضحاً أن عرض طلاب السنة الأولى بقسم الجرافيك في كلية الفنون الجميلة لم يكن مجرد عرض لوحات، بل كان احتفاء بالانطلاقة الأولى، وتأكيداً على أن الفن الحقيقي يولد بين الجدران، لكن قيمته تكتمل فقط عندما “يتلقاه جميع فئات المجتمع”.
كما أكد الأستاذ محمود أنه جسر حيوي يربط بين الجهد الأكاديمي الصارم وحياة المجتمع النابضة، ويغرس في جيل جديد من الفنانين الثقة بأن إبداعهم له مكانة وصدى في العالم خارج جدران الكلية، ويهدف المعرض في جوهره إلى أبعد من مجرد عرض الأعمال؛ إنه إعلان صريح عن مواهب واعدة تستحق الرعاية والرؤية.. بل هو منصة لتشجيع الإبداع الفني لدى الطلاب، وفرصة ثمينة لتبادل الخبرات مع الأساتذة وزملاء المهنة، وأعرب عن سعادته البالغة بمستوى الأعمال، خاصة “خروج الطلاب من المفهوم الكلاسيكي للعمل الفني والحالة الواقعية المباشرة، نحو رؤى أكثر تجريدية وقدرة على إنتاج عمل فني من مخيلتهم وإخراجه لخلق فضاء تصويري إبداعي.
تكوين وبناء
من جانبها، وصفت الأستاذة روان عودة- “قسم الغرافيك”، المعرض بأنه “نتيجة سنة كاملة من الجهد لطلاب السنة الأولى وأضافت: عملنا على عدة مشاريع، شرحنا لهم أساسيات الخامات وتدرجات الأبيض والأسود والرماديات، وكيفية اختيار المواد المناسبة للوحة، أوضحنا معنى التكوين وبناء لوحة متكاملة تجمع بين خامات وألوان وتقنيات متوازنة ومضبوطة.
وأشارت إلى أن هذا المشروع التمهيدي هو مكافأة لهم على أعمالهم الجميلة خلال السنة، وفرصة لعرض نتاج إبداعهم، خاصة مشروع إعادة تدوير لوحة ‘الفرانيكا’ الجماعية الذي شارك فيها الجميع، المعرض في جوهره تشجيعي وتحفيزي.
كسر حاجز الظهور
بدورها، أكدت الأستاذة علياء النحوي “قسم الغرافيك” أن المعرض يختتم أعمال السنة الأولى المتمثلة في ستة مشاريع تعلم الطلاب خلالها تقنيات محددة قادتهم إلى هذه النتائج النهائية، وأبرزت أهمية المشروع الجماعي “فرينيكا” في الفصل الثاني، قائلة: “أهمية هذا المعرض تكمن في كسره للحاجز بين الطلاب والجمهور، فتحولهم من العمل داخل الفصل إلى التفاعل المباشر مع المتلقي.
تجربتهم الأولى
وقد عبر الطلاب أنفسهم عن حماسهم وتجاربهم.. غيث مصطفى- طالب سنة أولى، شارك بلوحة استخدم فيها تقنيات الطباعة وورق الشجر وغيره…، وهو نتاج بحث طوال الفصل الأول شمل أيضاً استخدام النسيج وخيوط الملابس.. ووصف لوحته أنها تحوي طبيعة وشفافية أوراق الشجر، معتبراً أنها تجربة مهمة.
أما شام كاتبة- طالبة سنة أولى، فقد استخدمت تقنية الكولاج والطباعة وتلاعبت بألوان الظل والنور لخلق لوحة تعبر عن شخصها، ورأت في المعرض حافزاً كبيراً وكسراً للحاجز النفسي مع الجمهور.
في الختام: إن معرض “المنتج الطلابي” ليس حدثاً فنياً فحسب، بل هو تأكيد حي على استمرارية عطاء الفن السوري وتجدد دمائه الشابة، وواحة إلهام لكل محبي الفنون الجميلة.
تصوير- فرحان الفاضل