الثورة – جهاد اصطيف:
أطلقت مديرية الآثار والمتاحف في حلب مشروع التدعيم الإنشائي لمتحف حلب الوطني، وذلك بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) كجهة داعمة، وبمشاركة نقابة المهندسين- فرع حلب، التي تولت مهام الدراسات الفنية، وتشرف المديرية على التنفيذ بشكل مباشر لضمان التزام الأعمال بأعلى المعايير الأثرية والهندسية، في خطوة حاسمة لحماية أحد أبرز المعالم الثقافية في مدينة حلب.
في تصريح لرئيس جهاز الإشراف على الأعمال في المتحف، المهندس خالد المصري، أوضح لـ”الثورة” أن المشروع يركز على تدعيم الأجزاء المتضررة من الجملة الإنشائية، والتي شهدت تدهوراً واضحاً في بعض أقسامها خلال السنوات الماضية، نتيجة عوامل متعددة أبرزها: الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية خلال فترة الحرب، بالإضافة إلى التغيرات المناخية وتأثير الزمن.
وأشار المصري إلى أن هدف هذه الأعمال هو الوصول إلى حالة من الاستقرار الكامل للجملة الإنشائية، بما يضمن حماية المبنى ومحتوياته من أي خطر محتمل، وقد تم إعداد دراسة تفصيلية شاملة، تم تدقيقها بدقة من قبل المختصين في المديرية، لتكون مرجعية دقيقة لعمليات التنفيذ، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من أعمال التدعيم خلال شهر تقريباً، وفقاً للبرنامج الزمني المعتمد.
من جانبه، شدد أمين متحف حلب الوطني صفوان بنان على أهمية الجانب المتعلق بحماية المقتنيات الأثرية خلال فترة التدعيم، وأوضح أن طاقم أمناء المتحف تولى مسؤولية توضيب وتخزين القطع الصغيرة القابلة للنقل، وذلك وفق إجراءات دقيقة تضمن الحفاظ على سلامتها.
أما القطع الكبيرة والثقيلة التي يتعذر نقلها، فقد تمّ اتخاذ تدابير خاصة لحمايتها، تضمنت تغطيتها بوسائل مخصصة، مبيناً أن هذه العملية تمت تحت إشراف خبراء مختصين، بما يضمن الحفاظ على كل قطعة أثرية كجزء لا يتجزأ من تاريخ المدينة وهويتها الحضارية.
ووفق ما ورد في البيان الصادر عن المديرية، فقد بدأت عمليات التدعيم فعلياً خلال الأيام الماضية، وتشمل أعمالاً متكاملة، منها تدعيم معدني مؤقت، وأعمال تدعيم بيتوني مسلح، فضلاً عن تقنيات تدعيم متطورة تواكب المعايير الدولية المعتمدة في صيانة الأبنية الأثرية.
يمثل متحف حلب الوطني صرحاً ثقافياً بالغ الأهمية، إذ يضم بين جدرانه كنوزاً أثرية تعود لمراحل متعددة من تاريخ سوريا، بدءاً من العصور الحجرية، مروراً بالحضارات السورية القديمة، مثل الحيثية والآرامية والآشورية، وصولاً إلى العصور الإسلامية، ولطالما كان المتحف شاهداً على حضارة المدينة العريقة التي شكلت همزة وصل بين الشرق والغرب.
من هذا المنطلق، لا يعدّ المشروع مجرد تدعيم هندسي، بل هو فعل مقاومة ثقافية يهدف إلى حماية الذاكرة الجمعية للشعب السوري، ويأتي ضمن رؤية استراتيجية لإعادة إحياء القطاع الثقافي والأثري في البلاد بعد سنوات من الحرب التي طالت الإنسان والحجر.
من الجدير بالذكر أن المشروع يتمّ تنفيذه بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، الذي كان له دور بارز في دعم مشاريع الترميم والتدعيم في سوريا، وذلك ضمن برنامج “التعافي المبكر وإعادة الإعمار”، وقد حرصت جميع الجهات غلى المشاركة في توحيد الجهود بهدف تحقيق نتائج عملية تحاكي تطلعات المجتمع المحلي والمهتمين بالتراث السوري حول العالم، فمتحف حلب، الذي ظلّ صامداً رغم التحديات، يستعد اليوم للنهوض من جديد، محملاً برسالة حضارية عنوانها: “الثقافة لا تموت”.