الثورة أون لاين – دينا الحمد:
كثيرة هي الكتب التي تناولت النظام الدولي، قديمه وجديده ومعاصره، ولكن كتاب “النظام الدولي المعاصر” لمؤلفه الباحث حسين راغب حاول مقاربة الموضوع برؤية جديدة أخذت بحسبانها التطورات والتغيرات الحاصلة في العالم في وقتنا الراهن، وأهم ملامحها وصراعاتها الحالية المتجلية بالتنافس الصيني الأميركي، والتباين الأوروبي الأميركي، والصراع الروسي الأميركي، والعولمة والأزمات الاقتصادية العالمية، وظهور الأسلحة الذكية والحروب غير التقليدية كالسيبرانية، وسباق التسلح النووي، والصراع على الطاقة والحروب لاحتلال الجغرافيا التي تضم خطوط إمدادها.
هذه المتغيرات التي تناولها راغب، والتي ستفضي – على ما يبدو – إلى عالم ما بعد القطبية الأحادية التي تحاول الولايات المتحدة الأميركية فرضها على البشرية، هي متغيرات عميقة وتتوالد بسرعة وتشهد معها المعمورة بروز ملامح تشكل نظام دولي جديد يخلف النظام الحالي، وفي مقدمتها عودة روسيا والصعود الصيني وإعادة إحياء ورسم (طريق الحرير) عبر طرح مبادرة “الحزام والطريق” الشهيرة.
يرى الباحث راغب في مؤلفه، الصادر مؤخراً عن دار الشعب لنشر العلوم الإنسانية، أن الآراء تتعدد اليوم في العالم حول طبيعة النظام الدولي المعاصر، وماهيته، وأبرز تجلياته، ومستقبله، ولذلك كان لا بد له كباحث وقارئ، وعلى ضوء ذلك، من تلمس أبرز خصائص التحولات التي يشهدها النظام الدولي المعاصر في القرن الحادي والعشرين على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، والوصول إلى نتيجة ترسم وتعبر عن طبيعة النظام القادم.
من هنا يبدأ المؤلف كتابه في الفصل الأول المعنون ب (الدولية الكبرى) ليبحث عن أبرز القوى الدولية في هذا النظام المعاصر، وتحولات السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأهم التحديات التي يواجهها هذا الأخير كأزمة “بريكست” وتنامي اليمين المتطرف والنزعات الانفصالية، ناهيك عن التوسع الصيني من خلال مبادرة الحزام والطريق، وكذلك الصعود الروسي وأبرز ملامح السياسة الخارجية الروسية الجديدة، ومقومات الصعود الهندي في المجالات الاقتصادية والعسكرية، وأبعاد سياسة نيودلهي واتجاهاتها الجديدة.
ثم ينتقل الباحث راغب في الفصل الثاني من مؤلفه إلى موضوع في غاية الأهمية، وهو التنافس والصراع بين القوى الدولية الكبرى مشيراً إلى أبرز أوجه الصراع الدولي المعاصر، كالصراع بين أميركا والصين في بحر الصين الجنوبي وتايوان وهونغ كونغ، والحرب التجارية بينهما، والتنافس للاستحواذ على أقاليم استراتيجية في أميركا اللاتينية ودول إيبك والشرق الأوسط، وكذلك الصراع الأميركي الروسي حول توسيع حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وصراع الطاقة، وسباق التسلح، والتباينات الأميركية الأوروبية حول قضايا العالم، والتنافس الدولي حول إفريقيا، والصراع عليها وعلى ثرواتها بين القوى الكبرى.
أما في الفصل الثالث المعنون ب (النظام الاقتصادي العالمي) فيتناول السيد راغب أبرز تطورات النظام الاقتصادي العالمي، والثورة الصناعية الرابعة، وتطورات النظام النقدي المالي العالمي، وخصائص العولمة والشركات متعددة الجنسيات ومتعدية الدول والحدود ونشاطها الرئيسي في الاستثمار، وأخيراً أبرز الأزمات الاقتصادية المعاصرة كأزمة المديونية العالمية والحرب التجارية بين بكين وواشنطن وصراع جيو سياسية الطاقة.
ثم يعرج الباحث راغب على أنماط الحروب الحديثة مبيناً التطورات التي طرأت على الحروب التقليدية وصولاً إلى الحروب السيبرانية وخصائصها، وحروب الجيل الرابع، والحروب الهجينة، وسباق التسلح النووي، وسباق التسلح في الفضاء، ونمط القوة الذكية كأحد أهم أدوات الصراع الدولي المعاصر.
ويختتم الباحث حسين راغب مؤلفه المهم بالحديث عن مستقبل النظام الدولي والنتائج المستخلصة حول خصائصه، ومحاولة استشراف ملامحه القادمة التي ستطوي على ما يبدو كما ذكرنا المرحلة الانتقالية الحالية المتمثلة بالهيمنة الأميركية على العالم وقطبيتها الأحادية التي فرضتها واشنطن على البشرية منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وحتى يومنا.