الثورة أون لاين – د. مازن سليم خضور:
إضاءة جديدة وموضوع جديد ضمن سلسلة ” الحرب الأخرى” التي تعنى بالمشكلات والظواهر الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية المتنامية في المجتمع السوري خلال فترة الحرب ، ومن هذه المشكلات مشكلة “الهجرة” لاسيما تلك التي يقدم عليها الشباب السوري.
الهجرة ظاهرة قديمة جديدة تعني الانتقال من مكان إلى آخر بهدف العمل أو كسب العيش أو الإقامة بغض النظر عن مسافة الانتقال ، وحق التنقل مكفول لأي إنسان بمقتضى الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ، فالإعلان ينص في المادة “13” أنه “لكل فرد الحق في حرية التنقل و في اختيار محل إقامته داخل الدولة ، ولكل فرد الحق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده ” .
تختلف أشكال الهجرة باختلاف أسبابها فهناك تقسيم من حيث الجغرافية أي داخلية ضمن البلد الواحد كالانتقال من الريف إلى المدينة والانتقال إلى العاصمة على سبيل المثال ، وقد تكون الهجرة خارجية كالانتقال من دولة إلى دولة أخرى ، وهناك تقسيم حسب السبب فهناك هجرة طوعية لتحسين الواقع المادي أو البحث عن تحصيل علمي أعلى وغيره ، وقد تكون إجبارية بسبب البحث عن الأمن وهرباً من الكوارث والحروب ، وهناك أيضا تقسيم حسب المدة فقد تكون دائمة أو مؤقتة ، دائمة كهجرة أبناء سورية ولبنان إلى أميركة اللاتينية واستقرارهم هناك ، وقد تكون مؤقتة كالهجرة إلى دول الخليج لفترة زمنية والعودة إلى الوطن الأم ، ويمكن اعتماد المبادئ الآتية في تحديد أنواع الهجرة .
عند الحديث عن الهجرة لايمكن تجاهل وجود مسببات وأسباب موجبة تدفع الأفراد لترك الوطن إلى أماكن قد تكون مجهولة بالنسبة لهم ، فهناك أسباب طاردة من الموطن الأصلي وأسباب جاذبة في البلاد المستقبلة حيث أصبحت الهجرة مخرجاً أساسياً للكثير من الأشخاص لتحقيق بعض الأحلام والطموحات لاسيما في غياب أمل لتحقيق هذه الأحلام في أوطانهم ، وبات واضحاً وجليا أنّ الحرب التي تعاني منها سورية سلبت الكثير من السوريين أحلامهم وبالتالي طموحاتهم ، وهذا مادفع العديد إلى الهجرة والسفر خارج البلاد ولأسباب مختلفة ، أسباب عديدة منها عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي حيث ينقِّل السوري ناظريه بين واقعه الذي يعيشه بكل ما يتصف به من بؤس ومشقة وانعدام للفرص وبين المستقبل الذي يرنو إليه ويحلم به ويحاول أن يخطو الخطوة وراء الأخرى لتحقيقه مهما بدا ذلك صعباً أحياناً ومستحيلاً أحياناً أخرى ، ومن المشكلات أيضا المشاركة السياسية والتمكين .. هناك تواضع وهشاشة في مستویات التمكین السیاسي والمشاركة عند الشباب السوري من خلال انخفاض نسبة تمثیل الشباب ومشاركتهم في مؤسسات المجتمع المدني .
بالاضافة للكثير من المشكلات الاقتصادية بسبب قلة موارد الحكومة السورية وبالتالي انعكس ذلك مباشرة على المواطن ، فالوضع الاقتصادي دفع الكثيرين إلى مغادرة البلاد من دون وجود خطر مباشر على حياتهم ، نتيجة توقف حركة التجارة والاقتصاد بشكل عام والارتفاع الجنوني في الأسعار والارتفاع الكبير في معدلات البطالة .
كذلك الاغتراب من المشكلات التي يعاني منها الشباب السوري سواء مع ذواتهم أو مع الآخرين كذلك تأخر سن الزواج والعنوسة ومشكلة التطرف وهي من المشكلات الظاهرة بقوة في المجتمع السوري التطرف والتعصب الفكري والديني لاسيما في فترة الأزمة حيث دلت التجارب النفسية و التاريخية أن التطرف سيبقى ما بقي المسبب .
لاتوجد إحصائيات دقيقة لهجرة الشباب السوري خلال الأزمة الحالية ومعظم الأرقام المطروحة هي أرقام تنقصها الدقة والموضوعية لاسيما أن فعل الهجرة مازال مستمراً حتى وإن خفت الأعداد لأسباب مختلفة ومن أهمها التحسن النسبي للوضع الميداني السوري ووعودة الأمان النسبي إلى عدد كبير من مراكز المدن السورية ، والقضاء على تنظيم داعش الإرهابي في عدد كبير من مراكز وجوده ، وغيرها من الأسباب .
شكلت الهجرة حلماً وملجأ لعدد كبير من السوريين حتى قبل الحرب الأخيرة ومع دخول الأحداث السورية مرحلة النزاع المسلح دفعت عدة آلاف الشباب السوريين إلى ترك بلدهم والتوجه نحو الدول المجاورة ، أو الهجرة إلى البلدان الأوروبية بحثاً عن حياة ومستقبل أفضل بحسب اعتقادهم “ما أدى إلى ازدياد وتيرة هجرة السوريين الذين يعبرون البحر إلى هجرة السوريين التي تمت بطرق مختلفة منها الهجرة الشرعية وغير الشرعية ومنها إلى البلدان المجاورة ومنها إلى البلاد البعيدة ومنها براً ومنها بحراً كل هذه الأمور عاشها المهاجرون السوريون .
في ظل ماتم ذكره دائماً معرفة الأسباب والمسببات من شأنه تقديم أرضية علمية كالعادة لتقديم مروحة من الحلول ، فالوقوف كما ذكرنا على أن الأسباب الكامنة وراء ظاهرة معينة يقود إلى إيجاد الحلول المناسبة في العلاج والحد من هذه الظاهرة .
وعن الحلول التي من الممكن أن تحدّ أو تقلل من نسب هذه الظاهرة هي تناول مشكلات الشباب السوري بعمق والابتعاد عن العمومية ومجاورة الأسباب والتحدث عن المشكلات الحقيقية التي يعاني منها الشباب السوري ، ومن الحلول المقترحة تشريع قوانين تسمح بعودة الشباب المهاجر بطرق غير شرعية أثناء فترة الأزمة وحل مشكلاتهم العالقة بهذا .
منح الشباب المسرح من أداء الخدمة ميزات تساعده في تجاوز المشكلات التي تواجهه (تأمين فرص عمل – قروض – دعم مشاريع صغيرة ومتوسطة) ، ومن أهم العوامل وضع بدل نقدي للشباب الأكاديمي وبالأخص أصحاب الشهادات العليا أو منحهم تشريعات خاصة أثناء أداء الخدمة الإلزامية ، ومتابعة تنفيذ هذه التشريعات ولاسيما أصحاب درجة الدكتوراة للاستفادة من خبراتهم والحفاظ عليهم لمنعهم من الهجرة .
وتفعيل المشاركة السياسية والفكرية للشباب السوري وبالتالي تشجيع الحياة السياسية للشباب ضمن الأحزاب والمنتديات وتشجيع المصالحات بين أفراد الشعب السوري .
العمل على تشجيع التقاعد المبكر (شرط الحفاظ على حقوق المتقاعدين كالرواتب والتأمين الصحي والرعاية) و تحقيق مبدأ المساواة والعدل في توظيف الشباب .
كل هذه الحلول بالإضافة إلى تنسيق جميع الجهود بين الوزارات المعنية حتما ستحد من هذه الظاهرة التي تمثل نزيفاً بالطاقة البشرية السورية ، فالأزمات والحروب تحتاج إلى قرارات استثنائية وبالتالي العمل على تأمين فرص عمل للشباب السوري والاستفادة من الطاقة الحيوية والإنتاجية والعلمية للحد من هذه الظاهرة