الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
يلاحظ الناس من جميع أنحاء العالم وبمساعدة وسائل الإعلام المتطورة للغاية ، أبعاداً مختلفة لنموذج دولة غربية متقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية ، وكيف دخلت في “عملية الانحلال السياسي” ، كما وصفها عالم السياسة الأمريكي المعروف فرانسيس فوكوياما ، الذي أكد على أن تراجع السياسة الأمريكية في عام 2020 سيُسجله التاريخ .
فقد ازداد عدد الأمريكيين الذين اشتروا الأسلحة لأول مرة وبشكل غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة ، حيث نفدت جميع أنواع الأسلحة مع اقتراب يوم الانتخابات ، في الوقت الذي حذرت فيه الحكومة الأمريكية والجامعات والمؤسسات البحثية من احتمال نشوب صراعات عنيفة بعد إعلان نتيجة الانتخابات. إذاً في عام 2020 شهد الناس دراما واقعية في الولايات المتحدة .
وهذه الدراما لم تنته بعد ، إذ ينتظر الناس النتيجة النهائية بمشاعر متناقضة ، لكن الأكيد هو أن الانحلال السياسي الذي كشفته الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 سيظل مفتاح التطورات اللاحقة في الولايات المتحدة والعالم .
يتجلى الانحطاط السياسي في مواقف كثيرة وأولها أن مسؤولية الحكومة في تزويد المجتمع بالسلع الضرورية واللازمة لمواجهة تأثير وتحدي الأزمة الخطيرة لانتشار كوفيد-19 ، غائبة تماماً .
حيث يرى الأمريكيون إشارات غريبة ومتناقضة بشكل كبير ، فالولايات المتحدة تمتلك أحدث التقنيات والأنظمة الطبية التي يمكنها “علاج” رجل عجوز أبيض يبلغ من العمر 74 عاماً (الرئيس الأمريكي دونالد ترامب) ، مصاباً بفيروس كورونا المستجد ، في غضون ثلاثة أيام فقط ، ومع ذلك ، فإن هذا البلد نفسه الذي يشكل حوالي 4 في المائة من سكان العالم ، تبلغ نسبة الوفيات فيه أكثر من 20 في المائة من وفيات كوفيد -19 في العالم .
يشير هذا النوع من المقارنة إلى تراجع قدرات حكومة الولايات المتحدة في مواجهة الأزمة العامة الناجمة عن وباء فيروس كورونا المستجد ، فهي لا تستطيع اتخاذ أي تدابير فعّالة لمواجهة المرض والسيطرة عليه ، فبالنسبة للولايات المتحدة التي لطالما اعتبرت نفسها القوة العظمى الوحيدة بعد نهاية الحرب الباردة ، وزعيمة النظام الدولي والمدافعة عن العالم الغربي ، كان هذا الفشل بمثابة صدمة قوية لنظامها العالمي .
كما يظهر تراجع السياسة الأمريكية أن ما يسمى بآليات التصحيح الذاتي في النظام السياسي الأمريكي لا تعمل بشكل صحيح ، بدءاً من انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة في عام 2016 إلى الهزيمة المنهجية للولايات المتحدة في الاستجابة لوباء فيروس كورونا في عام 2020 .
التفسير العالمي لهذا والذي قدمه العديد من العلماء الغربيين هو أن ترامب ، كفرد ، مارس تأثيراً سلبياُ تجاوز جميع الأنظمة بسبب تصرفاته العشوائية ومصالحه الشخصية .
وبالنسبة إلى عالم السياسة الأمريكي فوكوياما فهو يحاول بناء منطق جديد يتلخص بأن ترامب مجرد ظاهرة عرضية معينة ظهرت في آلية العمل الطبيعي للنظام الديمقراطي الأمريكي ، وإذا ما انتهت ، فإن النظام الديمقراطي سيعود بطبيعة الحال إلى طبيعته .
فالمجتمع الأمريكي منقسم بشدة حالياً ويفتقر الرئيس الحالي ، ترامب ، إلى الكفاءة ، فقد أذكى نيران الانقسام بدلاً من بث روح الوحدة ، وعمد إلى تسييس عمليات توزيع الدعم ، وألقى بمسؤولية اتخاذ القرارات المهمة على عاتق حكام الولايات بالترافق مع تأجيج الاحتجاجات ضدهم لرغبتهم بحماية الصحّة العامة ، وهاجم معظم المؤسسات الدولية بدلاً من الدفاع عنها .
على مدار السنوات التالية ، قد تؤدي الجائحة إلى تراجع نسبي للولايات المتحدة ، وإلى تآكل متواصل للنظام الليبرالي الدولي ، وعودة ظهور الفاشية حول العالم ، لكنها قد تؤدي أيضاً إلى عودة الديمقراطية الليبرالية ، وهو نظام لطالما برهن على قدرات متميزة من ناحيةِ المرونة والتجديد .
ستظهر عناصر كلتا الرؤيتين في أماكن متفرقة ، ولسوء الحظ ، فإن لم تتبدل طرق التعامل الحالية بشكل دراماتيكي ، فإن المشهد المستقبلي العام سيكون قاتماً وكئيباً .
المصدر: Global Times