الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
لقد بات في حكم المعلوم والواضح بأن الحرب الإرهابية التي شنت على سورية منذ عام 2011 قد تركت تداعيات كثيرة وقاسية جداً على حياة السوريين، بحيث فرضت على عدد منهم إما النزوح داخلياً ـ وهم القسم الأكبر ـ أو اللجوء إلى دول الجوار نتيجة سيطرة جماعات مسلحة إرهابية خارجة على القانون على مناطقهم، وتسببها بغياب الأمن والأمان والخدمات في هذه المناطق، حيث شكلت الجرائم والفظائع التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية المسلحة بحق المدنيين واستخدامها لهم كدروع بشرية أثناء قيام الجيش العربي السوري بالتعامل مع هذه الحالة الشاذة الدافع الأساس والمحوري لكل عمليات النزوح واللجوء التي جرت.
وكل من تابع مجريات الحرب من منطقة إلى أخرى، يدرك تماماً هذه الحقيقة، فقد تأخر تحرير الكثير من المناطق التي كانت ترزح تحت سيطرة الإرهابيين واستعادتها إلى كنف الدولة بسبب حرص الجيش العربي السوري على سلامة المدنيين فيها، ومحاولاته تأمينهم وإبعادهم عن الأخطار المتربصة بهم، وتشهد الوقائع أن العدد الأكبر من النازحين اختاروا اللجوء إلى دولتهم وإلى أهلهم ومواطنيهم في الداخل، فيما اضطر أبناء المناطق الحدودية للجوء إلى دول الجوار ومنها إلى دول أوروبية بسبب صعوبة النزوح داخلياً.
فمنذ بداية الحرب الإرهابية على سورية كان واضحاً أن الدول الداعمة للإرهابيين ـ ومنها بعض دول الجوار وخاصة تركيا ـ تريد أن تستخدم ورقة اللاجئين للضغط على الدولة السورية من أجل ابتزازها وتحقيق أجنداتها الاستعمارية المبيتة، إلى جانب ابتزاز المجتمع الدولي تحت عنوان احتياجات وهموم اللاجئين ومعاناتهم، حيث تحول هذا الملف مع مرور الوقت إلى باب استرزاق واستثمار واستغلال من قبل العديد من الحكومات التي استضافت اللاجئين السوريين، وذلك من أجل الحصول على المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الإنسانية وصندوق الغذاء العالمي.
وهذا كان السبب الخفي لقيام هذه الدول بتضخيم عدد اللاجئين وتقديم بيانات غير دقيقة وغير صحيحة بخصوصهم، من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية باسمهم، وليس سراً أن النظام التركي كان الأكثر استثماراً في هذا الملف طوال سنوات الحرب الإرهابية وما يزال، فقد كان السباق لإقامة مخيمات اللجوء على الحدود السورية وخاصة في لواء اسكندرون منذ الأيام الأولى للأزمة أي قبل اضطرار أحد لمغادرة منطقته، حين لم يكن هناك أي مؤشرات واضحة لتطور الحرب العدوانية على سورية إلى هذا المستوى من العنف والإرهاب والخراب، وهو ما يؤكد وجود النية بزعزعة أمن واستقرار السوريين من قبل الدول المتآمرة والمعتدية والداعمة للفوضى والإرهاب من أجل الوصول بالحرب على سورية إلى مرحلة صعبة تعقد وتؤخر الحل السياسي الوطني وتجعله مستحيلاً إلا بتدخل من الخارج، وهو ما يفسر أيضاً أن العدد الأكبر من الإرهابيين والمرتزقة الذين شاركوا في الحرب الإرهابية على سورية جاؤوا من جميع أصقاع العالم عبر البوابة التركية، ليشكل النظام التركي باعتراف وإقرار الكثير من الجهات الدولية الوكيل والداعم الأكبر لهؤلاء الإرهابيين من أجل تمرير أجنداته الخاصة بالاعتماد عليهم.
طوال السنوات الماضية، ومع تحرير كل منطقة من أيدي الإرهابيين كانت الدولة السورية بكل مؤسساتها تسعى لإعادة أبنائها المهجرين منها إليها، من أجل المساهمة بعودة الحياة والبدء بإعادة الاعمار، ولكن العراقيل والعقبات كانت تأتي دائما من الدول الغربية اللاهثة دائما وراء تأجيج الأزمة، بحيث لم يكن مسموحا سوى للمرتزقة والإرهابيين بالقدوم إلى سورية، من أجل تعقيد الأوضاع الأمنية وإضعاف قدرة الدولة السورية على معالجة هذا الملف، وإبقاء ملف النازحين واللاجئين وغيره من الملفات مؤجلاً، بهدف ابتزاز الدولة السورية في مسائل الحل النهائي، وما من شك بأن العقوبات غير القانونية وحالة الحصار التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على سورية في السنوات والأشهر الماضية (قانون قيصر وملحقاته)، قد عقدت هذه المسألة كثيراً، وجعلت حياة باقي السوريين من غير النازحين أكثر صعوبة، وحملت الدولة أعباء كثيرة في ظروف غير عادية، بحيث باتت فرص إعادة اعمار ما هدمته الحرب الظالمة وعودة اللاجئين والمهجرين أكثر صعوبة.
ولكن بالرغم من كل ذلك وبالرغم من الظروف الصعبة التي تعانيها الدولة السورية نتيجة الاحتلال والإرهاب والعدوان وسرقة مواردها وثرواتها الطبيعية في الجزيرة السورية، إضافة إلى سياسة الحصار والعقوبات، ما زالت الدولة السورية تفتح ذراعيها لأبنائها اللاجئين في دول الجوار والدول الغربية وتعمل فوق طاقتها وإمكاناتها كي يعودوا إلى وطنهم ويساهموا في نهضته من جديد وإخراجه من براثن الحرب والدمار والفوضى، ولذلك ظل ملف اللاجئين أولوية مطلقة بالنسبة للحكومة السورية ولكل مؤسسات الدولة، وهو ما أكد عليه البيان الوزاري للحكومة الجديدة بكل وضوح من خلال “وضع خطط لعودة المهجرين” وقد برهنت على ذلك الحكومات السابقة عبر توفير كل الضروريات اللازمة لعودة اللاجئين، حيث أمنت للكثير منهم أماكن إقامة مؤقتة لاستيعابهم إلى حين ترميم منازلهم وإصلاح البنية التحتية في مناطقهم، وقد شهدت المنافذ الحدودية مع لبنان والأردن والعراق عودة أعداد لا بأس بها من اللاجئين، في الوقت الذي تحاول فيه دول الغرب وأدواتها في المنطقة عرقلة حل هذا الملف، كي يبقى الجرح السوري مفتوحاً.
إن من واجب المجتمع الدولي إذا كان راغبا في حل وإغلاق هذا الملف الإنساني أن يساعد الدولة السورية في تهيئة الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية لحل هذه الأزمة، وإلزام الدول المحتلة بإخراج قواتها من أرضها، ووقف العقوبات الغربية الظالمة على سورية، كي تصبح عودة اللاجئين والمهجرين ممكنة.